سقراط وابن رشد . شهداء العقل و الحكمة .. لقد جاء قبل سقراط فلاسفة مثل طاليس وهرقليطس وفلاسفة دهاة مثل بارميندس وزينون وفيثاغورس
سقراط وابن رشد . شهداء العقل و الحكمة
الحلقة الأولى. سليمان بدران _ ويل ديورانت.
سقراط والبحث عن الإنسان:
لقد جاء قبل سقراط فلاسفة مثل طاليس وهرقليطس وفلاسفة دهاة مثل بارميندس وزينون وفيثاغورس
ولكنهم كانوا فلاسفة طبيعيين فبحثوا عن طبيعة الأشياء الخارجية وقوانين وأصول العالم المادي
أما سقراط فيقول بأنها فلسفة حسنة ولكن هناك فلسفة أجدر بالفلاسفة أن يدرسوها أكثر من جميع هذه الأشجار والحجارة التي تملاً الطبيعة
وحتى أهم من جميع هذه النجوم والكواكب وهي :
( عقل الإنسان ) ما هو الإنسان
إلى أي شيء سيتحول في المستقبل
وهكذا فقد اتجه إلى سبر غور الروح الإنسانية يستطلع الافتراضات ويستجوب اليقينيات فإذا تحدث الناس عن العدالة المتعارفة ,
كان يسألهم بهدوء ما هي هذه العدالة ؟
وماذا تعنون بهذه الكلمات المجردة التي تحلون بها مثل هذه السهولة مشاكل الحياة والموت ؟
وماذا تعنون بكلمة الشرف والفضيلة والأخلاق ؟
وماذا تعني بنفسك ؟
منهج سقراط:
لقد أحب سقراط أن يتناول البحث والتساؤل مثل هذه الأسئلة الأخلاقية والنفسانية
لقد عانى البعض من طريقة سقراط في السؤال والبحث التي كانت تحتاج إلى تعريف وتحديد محكم صحيح وتفكير واضح وتحليل حقيقي فاعترض البعض على طريقته
وقالوا بأنه يسأل أكثر مما يجب ويترك عقول الرجال أكثر اضطراباً مما كانت عليه قبل المحاورة والنقاش أو الحديث.
وعلى الرغم من ذلك فقد قدم سقراط للفلسفة جوابين ثابتين لسؤالين تناولا مشكلتين من أكثر مشاكلنا تعقيداً وهما ,
ما هي الفضيلة ؟
ما هي أفضل دولة ؟
في الواقع بالنسبة للشباب الأثيني في تلك الفترة فقد دمر السفسطائيون إيمان الشباب
وحطموا القانون الخلقي الذي كان يعززه الخوف من عقاب الآلهة
وأصبح من الواضح أنه لا مانع من أن يسير الإنسان ويفعل ما يطيب له مادام يفعل ذلك ضمن حدود القانون !
وأضعفت روح الفردية الخلق الأثيني وتركت المدينة أخيراً فريسة أمام الإسبارطيين الأشداء بطبعهم
أما بالنسبة للدولة فأي شيء أشد سخرية من ديمقراطية تقودها وتتزعمها الجماهير التي تسوقها العاطفة
أي حكومة تقوم على النقاش الشعبي ,
اختيار متهور مندفع وعاطفي محكوم بالخوف من العقاب
هذا الاختيار الذي لا اختيار فيه للبسطاء و المزارعين بينما التجار في تناوب وتعاقب أبجدي كأعضاء للمحكمة العليا للبلاد.
كيف السبيل إلى إيجاد قيم أخلاقية جديدة وكيف يمكن إنقاذ الدولة
إن الإجابة على هذه الأسئلة هي التي دفعت أثينا إلى الحكم على سقراط بالموت
فتهمته بالفساد الخلقي,
لقد كان المواطنون الأثنييون الكبار في السن على استعداد لتشريفه لو حاول استعادة الدين القديم الذي يؤمن بتعدد الآلهة
ولو أنه دعا الشباب المتحرر من الخرافات والأساطير القديمة إلى المعابد والحدائق المقدسة
وطلب منهم مرة ثانية تقديم الأضاحي لآلهة آبائهم
ولكنه اعتقد أن تلك سياسة انتحارية لا أمل فيها
وأنها تقدم إلى الوراء
لقد كان إيمانه الخاص به
لقد آمن بإله واحد
وآمن باعتدال أدرك بأن هناك شريعة أخلاقية أبدية لا يمكن أن تقوم على دين ضعيف كالدين الذي آمنت به أثينا في ذلك الوقت.
(كما آمن ابن رشد بذلك وأنه من المستحيل أن يعطي الله عقل ويأمر بشرائع مخالفة له. )
فبالعقل والتفكر نجعل الأفراد مواطنين مسالمين في المجتمع
وليس الخوف من عقاب أبدي وتسيير العاطفة لذلك
كان العقل يساوي الخير والعقل أساسي في بناء مجتمع سليم وليس فاضل.
فإذاً كلمة الخير على سبيل المثال تعني عاقل , والفضيلة تعني الحكمة.
فإن ذلك يعني أن المجتمع الذي يقوم حكمه على العقل تكمن فائدة كل شخص فيه في سلوكه وولائه للمجتمع.
ولكن إن كانت الحكومة نفسها حكومة تسودها الفوضى
تحكم ولا تساعد
تأمر ولا تقود
فكيف تستطيع أن تقنع الفرد في أن يطيع القوانين حتى ولو كانت مميزة ومعقولة
وكيف تريد منه أن يكون في دائرة الخير العام
مع العلم بأن حتى الرجل الذكي العاقل لديه طابع من العنف والبواعث والدوافع ولكن بطريقة أفضل من الجاهل,
لذلك ما من غرابة أبداً أن تسود الفوضى في البلاد التي يسودها الجهل والتي حكومته تقدر العدد أكثر من المعرفة.
لقد كان رد فعل الحزب الديمقراطي في اثينا على دعوة سقراط خطير.
فعندما كان المثقفون يعدون الخطط للثورة وبينهم ابن انايتس الزعيم الديمقراطي الأعلى,
وكان انايتس يرى ابنه يصبح تلميذاً لسقراط ويتحول عن عبادة آلهة والده ويسخر منه في وجهه.
اشتعلت الثورة وحارب الرجال لها بمرارة حتى الموت
وعندما فازت الديمقراطية تقرر مصير سقراط
وأصبح واضحاً أنه مفسد الشباب بالنقاش والعقل والحث على تبديل الفضائل القديمة المثبتة بالذكاء والعقل وهي نبوءته.
ورأى انايتس ومليتس زعماء الديمقراطية أنه من الأفضل أن يموت سقراط
فكان أول شهيد للفلسفة معلناً حقوق الإنسان وضرورة حرية الأفكار
وحسب الديمقراطية فقد صوت الناس لموته لأنه خالف الآلهة لقد قال سقراط كلماته الأخيرة.
افرحوا وقولوا أنكم توارون في التراب جسدي فقط.
بتاريخ 17/11/2018