حكم عقلك ….. واستفت قلبك ! مقال للكاتب طه المحيشي ، عن المنطق والتوافق الطبيعي بين الزوجين، مقالة تجريدية
حكم عقلك ….. واستفت قلبك !
ظننتَ أنك سترتاح من عناء التفكير ؟ كم أنت مغفل وساذج ؟!
على الأقل سترتاح من عذاب الضمير ! ، لن تتحمل المسؤولية والتبعات ، لن تعبث بمصير إنسان آخر ..
هذا ما كنتَ تَظن وكم أنت أحمق فيما ظننتَ !
في النهاية لم تكن مختارا ، العاجز والمقهور ليسا مختارَيْن ، فالاختيار فرع القدرة ،
لن تُخير سمكة بين سباق المئة المتر وسباق الماراثون مثلا ، بل لن تخيرها بين الماء العذب والماء المالح فلن تعيش إلا في أحدهما ،
أنت ترتاح لهذا لأنك تخلي ذمتك من المسؤولية ، لستَ مذنبا في النهاية …
توقف عن المراء ! أنت تعلم أنك تجادل نفسك لينسى قلبك وتريح ضميرك ،
لكن هما لا يعترفان بالمنطق والقانون هاهنا ،لا يعترفان بالشهود والقاضي ومحكمتك الخرقاء هذه !
تلك مساحتهما من ذاتك ولا شأن للمنطق بها ، هذا حِماهُما الذي يذودان عنه ، عبثا تحاول إقناعهما ، فلا تجهد عقلك ! أنت مذنب مهما قدمت من مبررات ..
أمي أديبة شاعرة وأبي قاضٍ ،
أحِنُّ إلى أمي دائما ،
أحن إلى الشعر والرواية والأدب ،
وأُجِلُّ أبي دائما ، أجل المنطق والفقه والقانون ،
الدفء والراحة والاطمئنان هاهنا عند أمي ، والعقل والحزم والصرامة هناك عند أبي ،
أنت لا تعلم شيئا عن الصراع الدائر في نفس الشاعر المُتَمَنْطِق ، يكتب بيتا ثم يمحوه وإن أثبته يكتمه ،
إن الشعر فيض مشاعر والمشاعر لا تعترف بالمنطق لأنه سجّانها ، المنطق يزن الأمور بميزان العقل والقانون يزنها بميزان الواقع ،
ما يمكن وما لا يمكن وما تبعات كل ممكن ،
أما الشعر فيُلحق في آفاق الخيال حيث كل شيء ممكن ، بعيدا عن القيود والتبعات .
الكذب مخالفةُ النسبة القولية للنسبة الفعلية عند المناطقة ، أي خلاف ما في نفس الأمر كما عبروا ،
والكذب أيضا جريمة في القانون إن أضر بالغير إضرارا بيّنا كشهادة الزور ، أما الشعر فيكفيك ما قالوا أن أجمله أكذبه !
غالبا ما أُسْتهرم ! أربعون ثلاثون هذه هي الأرقام التي أسمعها حينما يُقدر عمري ، لماذا ؟
لم أجد إجابة محددة حتى الآن ، ومعرفة الإجابة ليست مهمة ،
إن أعمارنا ليست مجرد أرقام وأعداد أو تاريخا في تقويم ،
إن أعمارنا هي خبراتنا وتجاربنا وكل ما تعلمناه .
نظرا لهذا الاستهرام الظالم أُسْتَنصح أحيانا ، ومن أكثر ما أستنصح فيه موضوع الارتباط ،
هذا ما يشغل الشباب غالبا ،
حسنا أود لو أنصحهم بالعزوف عنه كلية ، ولا تسألني لماذا قد أغير رأيي يوما ما ،
لكن لا أستطيع نصحهم بذلك صراحة ، إن الطبيعة لا تُضاد ، فأقول هل تقدر على ذلك وتتحمل العواقب ؟
فإن أجاب بالإيجاب مع سبق الإصرار والترصد ، أتأسف عليه وعلى مصيره وأتنهد في سريرتي طبعا ،
ثم أقول : إن استدامة العلاقة مرهون بالتوافق ومبنى التوافق التفاهم ، ليس بالضرورة الاتفاق !
لن تجد إنسانا مطابقا لك تماما ولو سميته توأم روحك فلا تخدع نفسك ،
ومظاهر التفاهم والتوافق هي التقارب الفكري والاجتماعي والمادي ،
وأفصّلُ في ذلك طويلا كأني خبير ناقد وأنا جاهل بذلك أشد الجهل ،
أنت جاهل ببعض الأمور ولو قرأت فيها آلاف الكتب لابد لك من التجربة الفعلية ، أدركت هذا متأخرا .
يقول مُستنصحي معترضا : لعلي أنْ لا أجد مثل هذا الإنسان إنسانا آخر ولو لم يكن كما تقول من التقارب ،
لعلها الفرصة الوحيدة الحقيقية والباقي كله تلفيق ؟
أجيب مستشهدا ببيت عمر:
سلامٌ عليها ما أحبتْ سلامنا …. فإن كرهته فالسلام على أخرى
وببيت الشافعي :
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة …. وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
فيما بعد أصبحت أضيف مقطعا آخر في نصيحتي هذه : استفت قلبك واستمع إليه جيدا ،
فإن أفتاك فاستخر ربك واعزم أمرك وتوكل ، أما البيتان فعارضتهما :
سلام عليها دائما ومؤبدا …. سلاما يدوم بحال الكره والحب
لأنّا كِلا الحالَيْنِ سِيّان عندنا …. أحبتْ لقاءنا أم أبغضتْ قُربي
وأيضا :
إذا المرء لا يلقاك إلا تبسما …. ويرعاك في كل الظروف ولو نفى
فذاك الذي في الناس عزّ مثيله …. وذاك الذي من وده لك قد صفا
ما سر هذا التغيير ؟
ليس تغييرا هو إضافة فقط أراها ضرورية ،
ناقشت مرةً أستاذي الجامعي المتصوف مدافعا عن المنطق ،
كنت أنا المدافع أما هو فكان يحثني على عدم النظر فيها كثيرا ،
من لطائف الأقدار أن اسمه كاسمي !
المنطق يُسكت الخصوم ، ويقيم الحجة ، لكن لا يهب الاطمئنان وبرد اليقين ،
تعلم الشيء لكن لا تطمئن إليه ولا تسكن به ،
بل أنت مضطرب خائف تتقرب ، إن هذا الاطمئنان والسكون من القلب لا العقل ،
يقول محتسب الصوفية نزيل مدينتي ودفينها الشيخ زروق :
من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن تقفه ولم يتصوف فقد تفسّق !
الفقه – بمعناه الاصطلاحي – بلا تصوف لا يورث التقوى ؛ لأنه مجرد نظر عقلي في النصوص ،
استدلال منطقي على قواعد أصول الفقه ،
أما التصوف فهو روح النص وسره ، والسر مرآة الجهر وصورته لا خلافه ونقيضه .
أوافق على هذا بالفعل ، للقلب حمى لا يحوم العقل حوله فاستمع إلى قلبك وأنصت إليه جيدا بعد تصفيته من الكَدُورات والشوائب ،
وحكِّم عقلك بعد إبعاد التحيزات واستدامة البحث والنظر ، ولا تكن مثلي :
فسُحقا لقلبٍ ما ملكتُ زمامه …. وبُعدا لعقلٍ ضاع في ظلمة الجُبِّ
من السخرية أني أنصح من يستنصحي أما أنا فلا أنتصح بنصحي ، أنا أحمق ! ..
رااائع شكرا