عبادة الصبر في الفقر .. و مغفرة الذنوب بالفقر .. إن من قل ماله قل حسابه .. و أنظر إلى من هو أفقر منك .. الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة .. كل هذا في مقالنا اليوم بعنوان تسلية صالحي الفقراء بما لهم من الفضل على أصحاب الثراء .. مقال جميل للكاتب المبدع يزن الغانم
تسلية صالحي الفقراء بما لهم من الفضل على أصحاب الثراء
رسالة في تسلية الفقير الصالح
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله وعلى آله وصحبه ومن والاه :
اعلموا أن للفقر فوائد عدة، وأن الله سبحانه يفقر أناس يعلم أن الغنى يفسدهم ويغني أناس يعلم أن الفقر يفسدهم إلى غير ذلك من الحكم التي نعلمها والتي لا نعلمها، فالله جل وعلا يعلم وأنتم لا تعلمون.
-النظر إلى من هو أفقر منك :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه )متفق عليه.
وفي رواية لمسلم قال: انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم).
– عبادة الصبر في الفقر :
في الفقر عبادة الصبر لله تعالى، فيصبر الإنسان على الفقر فيكون له بذلك المحبة والأجر من الله تعالى، قال سبحانه :{ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}
[سورة آل عمران 146]
وقال سبحانه:{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[سورة البقرة 155]
وغيرها من الآيات، فحتسب ذلك عند الله، واعلم أنك إذا احتسبت ذلك عند رب الأرض والسماوات أنك تتقلب في محبته وعبادته ليل نهار.
– مغفرة الذنوب بالفقر :
فقد يغفر بذلك جميع الزلات وتمحى جميع الخطايا والسيئات وترفع الدرجات.
روى ابن أبي الدنيا في كتابه الصبر :
– حدثنا أبو محمد الأزدي البصري قال: رأى رجل الحسن بن حبيب بن ندبة في النوم بعدما مات
فقال: ما فعل الله بك؟
قال: «غفر لي بصبري على الفقر في الدنيا»
و قد يفقر الله العبد ليدخله الجنة وليرفع درجته التي لم يوصله إليها عمله.
– خير خلق الله رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا، كان ينام على الأرض ويؤثر في جنبه، قالت عائشة رضي الله عنها( ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم)رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم قالت( لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين) ولو أراد صلى الله عليه وسلم لآتاه الله كنوز الدنيا كلها عليه الصلاة والسلام .
وكان الإمام الواعظ الزاهد الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى :يقول لنفسه يا نفس اتخافين أن تجوعي إنما يجوع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
– من قل ماله قل حسابه:
قلة المال أقل للحساب، فقد عد رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتان يكرههما ابن آدم،فقال:( اثنتان يكرههما ابن آدم يكره الموت والموت خير للمؤمن من الفتنة ويكره قلة المال وقلة المال أقل للحساب ) رواه أحمد، وصححه الألباني.
ولأن العبد مسؤول عن كل درهم مما اكتسبه وفيما أنفقه.
-أكثر أهل الجنة الفقراء :
قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء )رواه البخاري ومسلم.
– القناعة بما في اليد غنى وراحة.
قال صلى الله عليه وسلم:( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب )متفق عليه.
– الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة:
ومما يعين على بلاء الفقر الزهد في هذه الدنيا، ومعرفة قيمتها وقدرها وحقارتها عند الله سبحانه، وأنها لا تسوى جناح بعوضة،ولو كانت تسوى جناح بعوضة ما سقى منها كافر شربة ماء، وأنها زائلة بما فيها وأن الدار الآخرة هي المستقر، يقول سبحانه:
{.. إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ }[سورة غافر ٣٩].
– إن الله سبحانه وتعالى يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب،ولا يعطي الإيمان إلا من يحب، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:يا أبا ذر ! أترى أن كثرة المال هو الغنى؟إنما الغنى غنى القلب و الفقر فقر القلب من كان الغنى في قلبه فلا يضره ما لقي من الدنيا و من كان الفقر في قلبه فلا يغنيه ما أكثر له في الدنيا و إنما يضر نفسه شحه.
في صحيح الجامع.للألباني(٧٨١٦).
– أهمية النية الصالحة:
فقير يتمنى الخير لو كان عنده مال لفعل به الخير، وفقير يتمنى الشر لو كان عنده مال لفعل به الشر، فذاك بنيته وذاك بنيته( وإنما لكل امرئ ما نوى ).
– قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( إنما الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل رحمه ويعمل لله فيه بحقه فهذا بأفضل المنازل.وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية ويقول : لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فأجرهما سواء . وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يتخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعمل فيه بحق فهذا بأخبث المنازل وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول : لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته ووزرهما سواء) رواه الترمذي وصححه الألباني .
– أيها الفقير أنت غني بنعم الله عليك :
نعمة الصحة والعافية في البدن، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه( لا بأس بالغنى لمن اتقى,و الصحة لمن اتقى خير من الغنى,و طيب النفس من النعيم )أخرجه ابن ماجه،وصححه الألباني.
فأنت تتقلب في نعم الله ليل نهار، فأنت تمشي على الأرض فكم من أناس لا يمشون وأنت تتحرك فكم من أناس لا يتحركون وعلى الأسرة البيضاء يتأوهون وأنت تسمع وتبصر فكم من أناس لا يسمعون ولا يبصرون، وأنت وأنت…. (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)[سورة النحل ١٨]
فهل تعطينا بصرك بكنوز الدنيا؟!
فقل الحمد لله الذي فضلني على كثير من عباده تفضلا.
وقد رجح بعض العلماء أن الفقير الصالح الصابر أفضل من الغني الشاكر.
والحمد لله الذي يحمد على كل حال، وصلى الله وسلم على النبي المختار وآله وصحبه الأطهار.