التقابل .. من بلاغة الجملة إلى بلاغة النص بحث أكاديمي بقلم أ. نور السادات جودي – أ. عبد الله بن صفية (مقال ثنائي) ننشره على حلقات
التقابل .. من بلاغة الجملة إلى بلاغة النص
أ. نور السادات جودي – أ. عبد الله بن صفية
جامعة باتنة – الجزائر
ثالثا-التقابل في الدراسات الحديثة:
لقد أهملت قضية التقابل اللغوي إلى حدّ بعيد في أبحاث واهتمامات اللغويون العرب القدامى، على خلاف الدراسات الغربية التي اهتمت بهذه الظاهرة، لغويا ودلاليا،
وهذا ما سوف نقف عند بعض محطاته فيما يلي:
فيما يخص التراث الغربي القديم فيشير “لا ينز” أنّ قضية التقابل اللغوي درست باعتبارها أكثر العلاقات الدلالية أهمية… واعتبر التقابل متمما للترادف(26).
هذا وقد استمر هذا الاهتمام وازداد عمقا وشمولا،حيث حظيت هذه القضيه-التقابل اللغوي- فيما بعد في الدراسات الغربية المعاصرة،
واهتمت بها الدراسات المعجمية، وعلم اللغة النفسي، ولسانيات النص، بالإضافة إلى دراسات الفلسفة والبلاغة والمنطق.
وتعد دراسة “أوجدن” )1932م( إحدى أهم المحاولات المبكرة في استقصاء هذه الظاهرة اللغوية الدلالية (27).
وقد دفعت ثورة اللسانيات في النصف الثاني من القرن العشرين القضية إلى آفاق واسعة ومنحتها اهتماما استثنائيا وتعد كتابات ) لا ينز ( ريادية في هذا الخصوص ،
فقد أكد مبدئية التقسيم الثنائي في التركيب الدلالي للغة التي تنعكس عنها ظاهرة التقابل كما ميز بين أنواع عدة للتقابل.وعن “جون لا ينز” يأخذ “فرانك بالمر”،
ويضيف إلى القضية توزيعها على الأنواع اللغوية أسماء ،أفعالا، ظروفا، مصطلحات نحوية،كما يضيف مجموعة من العلاقات السياقية بين المتقابلات كعلاقة التناظر والتعدية والمطاوعة وسواها(28).
وعند هؤلاء وسواهم أمثال “ريمون لوبلان” و”آن اينو”، يتجلى التقابل في بؤرة اهتمامات علم اللغة، ويحظى بأهمية استثنائية نابعة من محوريته في مجالات علم الدلالة الذي بات يوصف بسيد علوم اللغة.
وفي هذا الصدد قدم اللغويون الغربيون إسهامات متعددة ذات صبغة منطقية واضحة، من هذه الإسهامات ما قدمه “لاينز” الذي ميز التقابل “التضاد لديه” عن الترادف بوصفهما، علاقتان موضعيتان من نوع مختلف جدا)29(
أشار سعيد جبر إلى مساهمات تصنيفية لأنماط تقابلية قدمها كل من ” ليتش ” و “كمبسون” و”جولي جاردن” وسواهم في مساهمات متباينة،
لعل أهمها ما قدمه بعض علماء الدلالة، وفي مقدمتهم “روس” من توسيع مفهوم علاقة التعاكس الآنفة أو إدراجها ضمن علاقة تقابلية أشمل هي العلاقة (الاتجاهية)
التي تضم مجموعة من العلاقات التقابلية الفرعية من أبرزها التقابل الاتجاهي: )شمال، جنوب ، أمام ، خلف … )، و التقابل الامتدادي: ( قمة، قاع، رأس، قدم… )،
والتقابل التناظري: ( الناتئ، الغائر، الجاحظ، الأحوص، المتحمس، الكسول…)،
و التقابل الانعكاسي: ( خرج دخل – هبط، صعد – كشف، غطى… )،
والتقابل العكسي: ( قبل، بعد – خادم، مخدوم- خلف سلف…).
ويمكن هنا إدراج مفهوم (التضارب) ضمن العلاقات التقابلية،
وكان “لاينز” قد أشار إليه خارج علاقات(التضاد)،
وهو يعبر لديه عن شبه التضاد الذي يحدث سياقيا بين عناصر الحقل الدلالي الواحد،
ورأى أن ألفاظ الألوان تشكل مجموعة من العناصر المعجمية المتضاربة (30).