وباء التيك توك ! مقال للكاتبة د. نيرمين ماجد البورنو عن التيك توك الاجتماعي الذي غزا في الفترة الأخيرة بقوة وحقق في مدة سنتين انتشاراً كبيراً في الدول العربية
وباء التيك توك !
د. نيرمين ماجد البورنو
غزا تطبيق التيك توك الاجتماعي في الفترة الأخيرة بقوة وحقق في مدة سنتين انتشاراً كبيراً في الدول العربية,
والتيك توك عبارة عن منصة على الانترنت يقوم مستخدميه بتصوير أنفسهم بفيديو قصير ونشره مع أصدقائهم لمشاركتهم لحظات حياتهم بكل سهولة,
ويضيفون اليه عدد من المؤثرات الصوتية والموسيقية مأخوذة من أغاني عربية أو أجنبية أو أفلام وغيرها من المواد المتوفرة عبر الانترنت؛
وتعتبر طريقة استخدام تيك توك سهلة جدًا،
إذ لا تتطلب سوى تصوير المستخدم لذاته لمدة 15 ثانية فقط لإبراز المواهب الدفينة,
ولطالما كان استعمال التطبيقات التواصلية ومنها التيك توك أمر مثير للجدل بين الباحثين والدارسين وخصوصا لأنها ارتبطت في الحياة الشخصية لدي البعض,
فلقد كشفت الدراسات والابحاث عن نتائج مخيبه للآمال ومحطمة للوجدان لوصول التيك توك لحد الإدمان لدى الكثير من مستخدميه,
حيث يتغذى مستخدميه على جرعات فارغه تماما من فيتامينات مغذيه للروح والفكر والعقل.
تطبيق ملهي ليلي
تطبيق أضحي بمثابة الملهي الليلي للعرىّ والايحاءات والرقص الماجن بلباس مثير وحركات ساخرة ولا أخلاقية,
مما ساهم في إماطة اللثام عن جانب من جوانب الانحلال الأخلاقي الذي تعرفه المجتمعات,
فهل التطور والبرستيج أضحي هو السبب لمشاكلنا مع التكنولوجيا أم أننا نسيء استخدامها بشكل بات واضحاً,
فبدل أن نسخرها لخدمتنا فيما هو ايجابي ونفعي نستغلها فقط في الجوانب السلبية,
وهل التطور والانفتاح فتح الباب على مصراعيه للعديد من الظواهر الشاذة للظهور بهذه الحالة المخزية؛
الحرية الشخصية
فالمثلي الجنسي الذي كان يخاف ويرتعب من حاله واستنكار المجتمع له أصبح بإمكانه الاعتراف بمثليته بكل حرية وانفتاح,
وظهور المرأة بالعلن لذهابها للديسكو والقمار والشرب والرقص وإظهار مفاتنها أصبح من الحرية الشخصية,
والكثير من الفيديوهات تحتوى على تنمر بالسخرية ممن هم اقل جمالا او مستوي اجتماعي او ثقافي او غيره,
كما أن بعض أولياء الأمور انساقوا خلف سحر الشهرة فبدأوا بمشاركة أطفالهم بتلك الفيديوهات والمقاطع والظهور معهم,
والمصيبة أن تلك الظاهرة أضحت تنتقل متل الفايروس شيئا فشيئا الى العالم الواقعي فأصبح الكثير من الشباب والفتيات يعرضن تفاصيل حياتهم اليومية على الانترنت للتباهي والشهرة
ولصناعة صورة شخصية لامعة داخل أروقة مواقع التواصل.
تعلق الناس بهذا العالم الافتراضي
والغريب بالأمر كيف تعلق الناس بهذا العالم الافتراضي فصار الواحد منهم يعتبر نفسه نجماً يغزو الصفحات,
هدفه فقط أن يلهث وراء بضعه إعجابات وتعليقات على صورة لتقفز به من عالم مجهول الى عالم الشهرة داخل مواقع التواصل الاجتماعي,
فهل فكرنا للحظه انه اذا وقع عطب في اسلاك الانترنت أو انقطعت الكهرباء أين سيجد نفسه,
وهل حياته عبارة عن سجن كبير اسمه الواقع لا يعرف أين يمضي وماذا يفعل لا ينتهي هذا الكابوس إلا بعودة الواي فاي للعمل من جديد،
ليعود هو للحياة وتعود شخصيته الافتراضية لتسطع في سماء الفايسبوك مجدداً.
التواصل ضرورة لبني الإنسان
إن التواصل ضرورة لبني الإنسان وهو ما يميزهم عن الشجر والحجر,
فالتبدل والتغير في الزمان أضحي من ضروريات الحياة للتكيف والتعايش بما هو حاصل فاصبح الانسان بضغطة زر أو بلمسه شاشه
يشكو لأصحابه الحزن والغم الذي يصيبه أو يدخل عليهم السرور والبشاشة,
ولم يعد هناك بعيد مهما تناءت المسافات،
فقد جعل الانترنت الجميع على بعد خطوات,
لربما الأجدر بنا في هذا الزمان أن نطلق على شبكات التواصل الاجتماعي مصطلح السلطة الناعمة،
حيث بدأت تؤثر في حياتنا دون أن نشعر,
فأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي مرتعاً للأفكار الغريبة,
الخطر الأكبر يكمن في التأثير على النشء فهم الأكثر عرضة للتأثر بالأفكار الغريبة والمتطرفة بسبب قلة الخبرة خصوصاً في مرحلة النضج.
إنسان يهدر وقته
لقد صنعت تلك التطبيقات أنسانا غير مسؤول عن حياته انسان يقضي ساعات كثيره في العبث غير مكترث لالتزاماته الحياتية أو اعباءه العملية والشخصية,
إنسان يهدر وقته وعمره ومستقبله يشبع رغباته باستعراض ومساحة مخزية وزائفة للمرضى
ومساحة من التلوث البصري الغير واع والغير لائق بعقولنا وفكرنا مساحة من نشر المحتوي التفاهة كطواحين الهواء ليس له فائدة؛
حاله من الفراغ والخواء بين الشباب دفعتهم للهث وراء الأضواء الزائفة للظهور,
لا عيب في أن يبقي الانسان على تواصل مع العالم يتفاعل ويؤثر ويتأثر قد الامكان في محيطة الافتراضي
يعرض قضايا إنسانية واجتماعية يتطلع بها لحل مشاكل وهموم أمته وتطلعاتها بالمستقبل ويناقشها ,
وليكن في مصلحته أن يرفع شعار دع التيك توك يذكرك بإنسانيتك بدلا من أن يسلبها منك ! ولكن المعيب أن يجعل عالمة الافتراضي حياته الخاصة بأكملها,
لتصنع منه انساناً فاشلًا أضاع حياته ومستقبله بجرعة زائدة من إدمان التيك توك,
دور الحكومات
لذا يجب على الحكومات محاربه الافكار الغريبة وناقوس الموت التكنولوجي عبر التعليم والتثقيف
ووضع قوانين تمنع التطبيقات التي تستغل المستخدمين لأجل الحفاظ على بيئة مجتمعية سليمة بعيدة عن السيطرة على العقول,
ولمحاربة محاكاة سطحية لشهرة افتراضية,
وفرض رقابة أسرية صارمة بعد رصد العديد من مقاطع تخالف العادات والتقاليد المجتمعية والقيم الانسانية
من خلال تحديد التطبيقات المسموح بتحميلها عبر الأجهزة الذكية التي يمتلكها أبناؤهم
لكي لا يقعوا فريسة الإدمان وللاستعمال السيء,
ويجب أيضا تكاتف الجهود المجتمعية في نشر التوعية حول تلك التطبيقات وبيان فائدتها من دونه في الوقت ذاته
ونبذ وحجب مثل هذه التطبيقات غير المجدية والتي تؤثر سلبا على الشباب والأطفال بشكل خاص.
ناقوس الخطر
جولة واحدة في هذا الفضاء تدعونا الى دق ناقوس الخطر فعليا بعالم بلا قيود
لذا يجب أيضا على الأجيال الكبيرة محي أميتنا تجاه التكنولوجيا والمستحدثات والتطبيقات قبل التحذير من مخاطرها وذلك عن طريق الطلب من أبنائنا ان يعلمونا كيفية استخدامها
وبالتالي بعد فهم التطبيق بشكل جيد سيتلقى أبنائنا والأجيال الجديدة النصح والارشاد بشكل أفضل
لأنه سيكون في مكانه الصحيح دون مبالغة,
لذا يجب تسليط الضوء الأحمر على هذا الوباء المتفشي في مجتمعاتنا ,
حفظ الله ابناءنا من كل شرور العالم,
إن كل إناء ينضح بما فيه أن كان جيداً،
أو مسيئا اذا استطعنا تغيير ذهنية شعبنا في تربية الأبناء,
وتقديم يد العون والمساعدة والمساندة لانهم لن يلجؤوا الى اللهث لإخراج كبتهم في أفعال مشينة وسيئة
وعلى كل أسرة أن تتجه إلى كيفية الحفاظ على أبنائهم،
ومتابعتهم من أجل السيطرة على اخطائهم،
وإرشادهم إلى الجانب المضيء والمشرق في حياتهم الواقعية.
Be the first to comment on "وباء التيك توك !"