في الأسرِ من في الأسرِ خاطرة موجزة للكاتب موسى العايد تحكي حالة افتراضية للأسرى وطبيعة معيشتهم
في الأسرِ من في الأسرِ
موسى العايد
في دائرةٍ صماءَ، في بيئةٍ معزولةٍ، في غرفةٍ صغيرةٍ تحوي الصَّغيرَ قبل الكبيرِ المثقَّفُ قبل غير المثقَّفِ،
همُّهم واحد وتُهمتُهم واحدة وغايتُهم واحدة،
أدرَكُوها أم لم يُدرِكُوها، تجمَّعوا من أجلِ ذلك ولم يتفرَّقوا لذلك،
هناك من هناك حيث برودة الشِّتاء وحرارة الصَّيف وقساوة النَّفس وغلاظة القول واشتياق الأبناء والآباء وأنين الأمهات،
هناك من تظنُّه أنَّه أخوك أو أبوك اوأُمِّك التي تُؤمِّن لك الغِطاء وتخاف عليك تعاقب الأزمان،
إلّا أنَّ عينه تُراقب عن كثبٍ وخطواتِهِ تسير بحذرٍ،
فالكلام محظور، وما أن يُباح يتنفَّسُ الصُّعداء، ويمدُّونَ أذآنهم كما يمدُّ الثعلب خلف فريسته،
هم الذين اعتادوا على التَّليين ليأخذوا المبين فأولئك اعتادوا على الذُّلِ والهوانِ وقد رضعُوا الخيانة،
وأولئك الذين يقِفُونَ في سير الطَّريق ويضعُونَ الحواجز،
هم أصحاب القلوب المريضة غرَّتهم الأموال ونسو أنَّ المال لايدوم وأن الخائن يُلْعَنُ في السَّماء والأرض،
أمَّا في الإنفراد حكاية أخرى فلا الأقلام تصف ولا الأعينُ ترى ولا الآذآن تسمعُ،
إذ حُجبتْ الشَّمسُ التي لا تُحجب، وبكت الكهرباء التي لطالما أبكت من أقترب إليها،
هناك وكأنَّك في لُحدٍ ضيق،
طعامُهم من غسلين، يفترشون الأرض ويلتحفون السَّماء
تهمتهم أنَّهم لم يساوموا على ثوابت القضيَّة، وأنَّهم قاوموا من لم يقاوم بزعمِهم،
رغم أن أزيزَ الطائرات تحلِّق فوق روؤسهم كالطُّيور،
وترى المدافعَ تُلقى عليهم كما يَلقي الصَّيَّادُ بسنَّارتهِ إلى البحر،
فلا الأطفال تَتَمتَّعُ بحلمها ولا الأمهاتُ يُكْمِلْنَ حديثهنَّ مع أزواجهنَّ،
وأن قاوموا وقعوا في المحظور
أمباح لهم وممنوع عليهم!!!…
فيتعاقب الليل والنَّهار كالسُّلحفاةِ هناك،
فليلهُم نهار ونهارهُم ليل، وصيفهم شتاء وشتاءهُم صيفٌ،
يتكالب العدُّو عليهم كما تتكالب الكلاب على العظام، فيُنَكِّلونَهُم أشدَّ التَّنكيلِ المعنوي وغير المعنوي،
لو نظرتُ إليهِم لصُعِقتَ ولولّيتُ مدبرا، ولختلط عليك التاريخ فتشابهت الأحداث وأختلفت الأزمان،
ولكنْ بعزيمةٍ كالصَّخرِ وبقلوبٍ مؤمنةٍ كسروا القيود كما تُكسر الزُّجاج،
ونسفوا الحدود كما تنسف الجبال،
فانقلبت الأوزان وبات جلادهم يتطاير الخوف كالشرار منه، وباتوا هم في نعيم لايوصف،
لا بدَّ للشَّمسِ أن تظهر ولا بدَّ للقيدِ أن ينكسرَ ولا بدَّ للأسرى أن يعودوا إلى أبنائهم.
مهما كتبنا لن نفي الأسرى حقَّهم فنحن في نعيم وهم في شقاء
اللهم فكَّ قيد أسرانا