حين يئن الحنين ! من منا لا يحن لبسمة أمل و فرح و تفاؤل لأرواح رائعة تقاسم معها أجمل سنوات عمره و طفولته ، نيرمين البورنو ، نيرمين البورنو
حين يئن الحنين !!!
د .نيرمين ماجد البورنو
حينما نمرر شريط الذكريات فتدمع العين بعبرة ربما نحن لتفاصيل صغيرة ؛
فمنا ما يحن لأيام البحر والغوص ودفن البطيخ بالرمل لتبقي باردة ؛
ومنا ما يحن لعناء السفر ربما لأنه هو الاختبار الأمثل للصديق حيث تجده يتحملك ويسندك ويشاطرك حتى لقمة العيش ؛
ومنا ما يحن لجدته فهي مربيته فلقد اعتنت به سنوات طوال وقضي معها سنوات جميلة وتعلم منها الدروس والعبر والحكم ؛
ومنا ما يحن لإنسان قاسمة لحن الحياة بتفاصيلها سواء بحزن أو ألم ؛ فقد أو اشتياق أو غربة فكان له الوطن والسند والصديق والحبيب ؛
ومنا ما يحن لبسمة أمل وفرح وتفاؤل لأرواح رائعة تقاسم معها أجمل سنوات عمره وطفولته
وبين هذا وذاك تستمر الحياة ويستمر الأنين والحنين؛
ولكن الفرق بينهم فوهة كبيرة ؛
فالحنين شوق ولهفة والأنين ألم وغربة ؛
فبداخل كل واحد منا مكان في نفسه يحوي بين طياته الذكريات يتذكرها ويسرح بها من حين الى اخر وكأنه يحاور نفسه ويقول في عقلي طنين وبقلبي أنين ؛
يقتلني الحزن اللعين ويناديني الحنين أطلقي جناحك السجين ؛
فالحزن مؤلم كحد السكين يرد القلب المسكين لا تذهبي فالجرح الغائر لا تداويه السنين ؛
والحنين أن تروي إحدى حكاياتك المضحكة ذات يوم بعينين دامعتين ؛
فعجبا للحنين لا تنهكه السنين .
تهب رياح الأشواق فتجتاح الحنين فتغدو الحياة بفترات ومراحل انتقالية تعصف بنا وربما أحدنا لم يتجاوزها مرورا الا عندما أماتت بداخلة أشياء فقطعته أشلاء ؛
ولعل بابلونيرودا شاعر شيلي العظيم قد لخص كل ذلك بقوله : نموت بلا احتضار حينما نموت من الاسى…!!
واعتلاج الاشواق حين تطفو أمواجه. وتعتلى كل متاريس البعاد..
يكون التفسير في عظم ذلك الانكسار وحفيف الاشواق في خطاوى وله الاحساس…لهيب احتراق نافذ..
ويقول الشاعر الكبير محمود درويش: “الحنين ندبة في القلب.. و بصمة بلد على جسد..”
شيء يلامس القلب والوجدان
فالحنين بالنسبة للبعض شيء لا يمكن أن تصفه في صفحة كتاب أو في بيت شعر أو بخاطرة جميلة معبرة ؛
فهو شيء يلامس القلب والوجدان والروح والأحاسيس ؛
شيء يجعلك تعيش خليط من المشاعر الجياشة المؤثرة كالشوق والتمني والحزن وهمسه أشواق وصفعه كف لشيء لا يعود أبدا ؛ ولوعه مفقود , ودمعة يتيم وفقير ؛ وحرقة قلب أم شهيد على ابنها المفقود ؛ وعويل على هم موجود وتمن مسدود ويا ليته يعود ؛
وحنين الى الأصدقاء وللمكان والى أشجار الزيتون والنخيل والزعتر ولرائحة المسك والطيب والعنبر ؛
والحنين هو مراجعه الماضي وفتح الدفاتر القديمة التي يوجد فيها الحلو المر في جوهرها ؛
فكيف لطير دون وطن أن يهدأ !!!
وكيف لروح دون سماء أن تحيا !!!
وكيف لقلب دوم دماء أن ينبض !!!
ويبقي القلب دائما ينبش في دفاتر الماضي ؛ يقلب الصفحات ويرسم الضحكات ؛
فلقد كبرنا وأصبح الحنين والعودة الى الماضي أقصي أمانينا التي لا تنتهي؛ ربما لأننا قد وعينا الحقيقة بأم أعيننا ؛
فالحنين وجع عشوائي لا يستأذن من أحد ؛
وهو أيضا حنين الإنسان الى إنسانيته أو روحه التي باتت منفيه عنه ؛
والحنين هو اشتياق الروح للروح واشتياقك لقطعة من روحك موجودة بمكان اخر؛ إن الحنين إلى الماضي له أصل علمي،
فلا أحد منا خاصة من تقدم به العمر لا يتمنى لحظة سعادة تُهون عليه متاعب حاضره.. هذه الحالة تسمى ” نوستالجيا”.
الحنين لدى الانسان في حالة سبات
لذا يبقي الحنين لدى الانسان في حالة سبات حتى يواجه مؤثرات خارجية توقظها دون إرادة منه ؛
لأن الحنين يرتبط بالحب فلا يوجد حنين الا لشيء أحببناه بصدق ومن أبرز هذه المؤثرات : الموسيقي والعطور والاحتفالات ؛
فكم من أغنية قديمة دفعت مستمعيها الى إطلاق الآهات والحسرات على ما مضي ومنهم من يحن الى الأفلام القديمة في السينما التي كانت تعرض بالأبيض والأسود ؛
وهو أيضا ذلك الشعور بالاطمئنان الذي يغمرك عندما تذهب الى بيتك القديم والطرقات التي طالما تمشيت بها وضربت أحجارها بقدمك وبيوت الطين الجميلة ؛ وتقلب في اوراق ذكرياتك وتطالع صورك مع أهلك واصدقائك ؛
إن الذكريات جميلة والماضي مبهج، ولكن الماضي لنتذكره ونشتاق اليه أحيانا لأنه يحوي العديد من القصص والأحداث الصامتة التي تركت ندباً وأثراً فينا ولكن ليس لنعيش فيه إلى الأبد لأنه انتهى!!!
فسلام على قلوبنا حين تحن وتئن وترق وتنتفض وتعتزل ….
Be the first to comment on "حين يئن الحنين !!!"