الأخلاق .. كمان و كمان مقال للكاتب د. طارق الغنام تناول فيه الكلام عن أهمية الأخلاق في بناء الأمم وخطورة انحلال الأخلاق على الحضارة و المجتمع
الأخلاق .. كمان و كمان
د. طارق الغنام
الأمم وهي في سعيها إلى التقدم تأخذ بأسبابه ..
التي لا تختلف عليها أمة من الأمم ،
فأسباب التقدم معروفة و هي الاهتمام بمجالات الصحة و التعليم و البحث العلمي و التصنيع و الزراعة و مكافحة الفساد و التكامل الإقليمي و الاستثمار و الابتكار إلخ…
و لكن إذا كانت الأمور واضحة إلى هذا الحد ..
فما الذي يكلل سعي أمة بالنجاح في حين تخفق أمم أخرى في مسعاها ؟
الإجابة بمنتهى البساطة في الأولويات و الإرادة …
فهناك دول تنجح في تحديد أولوياتها و تسعى إلى تحقيقها بإرادة صلدة ،
فتكلل جهودها بالنجاح بعكس دول أخرى..
و لكن ما يدعو الإنسان إلى التأمل أن الثابت من خلال تجارب الأمم التي تقدمت و الأمم التي توارت أو اندثرت
أن الأخلاق و القيم الروحية غالباً ما تكون هي القاسم المشترك لتقدم الأمم.
و في هذا المقام يقول المؤرخ البريطاني “ارنولد توينبي” – صاحب الموسوعة الشهيرة “دراسة للتاريخ”
و التي صدرت في 12 مجلداً تناول فيها قصة صعود وسقوط الأمم والحضارات في العالم- أن الحضارة عندما تصل إلى مرحلة تعجز فيها عن الاستجابة للتحديات التي تجابهها،
فإنها تدخل في مرحلة الانهيار.
و أن السبب الأساسي لهذا العجز، هو فقد هذه الحضارة لقوتها الأخلاقية والقيمية والروحية.
أما المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” ،
فيقول لا بد من وجود معايير قيمية وأخلاقية متعارف ومتفق عليها في المجتمع كي تكون موجهة وهادية وحافزة ،
ويضع “ديورانت” الانهيار الأخلاقي والديني في مقدمة عوامل سقوط الحضارة .
و يقول ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ “ﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ” أﻥ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻷﺧﻼﻗﻲ ﺍﻟﻤﻨﺤﺮﻑ ﻫﻮ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻻﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ،
وﺃﻥ ﺭﻗﻲ ﺍﻷﻣﻢ ﻻ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﺑﺘﻮﺍﻓﺮ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ، ﺃﻭ ﺭﻗﻲ العقل، ﺑﻞ ﺑﺘﻮﺍﻓﺮ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ ،
والشيء نفسه ذهب إليه الفيلسوف “جوﺳﺘﺎﻑ ﻟﻮﺑﻮﻥ” فيقول: ﺇﻥ التحول ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻷﻣﻢ ﺑﺎﻷﺧﻼﻕ ﻭﺣﺪﻫﺎ،
ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﻳﺆﺳﺲ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻷﻣﺔ ﻭﺣﻴﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﺓ.
انحلال الأخلاق سبب انهيار المجتمعات
و الحقيقة- التي لا الشك فيها – أن انحلال الأخلاق من أهم العوامل التي تدفع بالمجتمع نحو حتفه ومصيره المحتوم ،
لأن انحلال الأخلاق يعني إطلاق الغرائز مما يفقد المجتمع الروابط التي جعلت أفراده متماسكين …
ومن العوامل التي لها أثر بالغ على انحلال الأخلاق ذلك التأثير السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي ،
و التي من خلالها يتم تبادل الصور و” الفيديوهات” غير اللائقة مع الآخرين ، و نشر استخدام الألفاظ البذيئة ،
فضلاً عن التقليل من العلاقات داخل نطاق الأسر،
و ترويج الشائعات المغرضة، وعدم استثمار أوقات الفراغ استثماراً نافعاً ، وخلق فراغ بين العالم الافتراضي والعالم الحقيقي.
و من أهم العوامل التي تدفع المجتمع إلى الانهيار ” رفاق السوء ” والتّأثر بهم،
فتعاطي المخدرات -على سبيل المثال – من نتائج رفقة السّوء.
و الواقع أن التحديات كبيرة للنهوض بالأخلاق و من ثم فالمجتمع يحتاج إلى توعية مجتمعية تستهدف الآباء والأمهات،
وخاصة الشباب بالدرجة الأولى، وبحاجة لنشر الثقافة والمعرفة للنشء، وتعريفهم بالرموز التاريخية والحاضرة ،
و أن يضطلع المهتمون بالحفاظ على الأخلاق و القيم و تنمية جوانب التوعية بالحث على جوانب التميز وتفنيد جوانب القصور،
وأن يساعدوهم على فهم الشخصيات والحُكم عليها، و أن يرشدوهم إلى الفهم الصحيح لمدلول القدوة،
فليس المطلوب أن نختار لهم من يقتدون بهم، وإنما إن نعلمهم كيف يختارون قدوتهم ،
وكيف يميزون بين القدوة الحسنة والسيئة .
د. طارق الغنام
Be the first to comment on "الأخلاق ..كمان و كمان"