مسرحيات ( برنارد شو ) توجهات لتوعية الإنسان مقال ثري للكاتب فؤاد الكنجي تناول الحديث عن هذا الموضوع مستحضراً نماذج من مواقفه وسخرياته وأقواله السياسية ومسرحياته
مسرحيات ( برنارد شو ) توجهات لتوعية الإنسان
فواد الكنجي
نماذج من مسرحيات برنارد شو 1-2
اقرأ أيضاً : مسرحيات ( برنارد شو ) توجهات لتوعية الإنسان 1-5
مسرحيات ( برنارد شو ) توجهات لتوعية الإنسان 2-5
مسرحيات ( برنارد شو ) توجهات لتوعية الإنسان 3-5
فـ(برنارد شو) طرح موضوعات لمعالجة كل ألازمات الاجتماعية محرضا ومنورا وعي الطبقات المضطهدة من اجل تغير واقعها وتغير العالم ومن اجل إيقاظ وعي الإنسان وتنشئة الإنسان قادرا على هذا التغير،
ولذلك حرص (برنارد شو) على إن يقدم نصا يشارك المتفرج مع العرض لا إن يكون مجرد متلقي،
ليجعل من المسرح محطة لا يتوجه المجتمع إليه بل المسرح يتوجه إلى المجتمع لكي يسعى إلى تغير المجتمع،
لان (برنارد شو) أراد إن يجعل من المسرح هدفا تربويا وأخلاقيا وسياسيا من اجل ترسيخ القيم الهادفة لمجتمع
وساعيا لتوفير حلول لمشكلات المجتمع و تنشئته تنشئة اجتماعية
ليكون مرآة تعكس ملامح المجتمع بكل ما هو فيه من محاسن وسيئات ليحفزه بتوجيه تربوي مؤثر
لتغيير واقعه وليجعل الإنسان واعيا بأفعاله ولحب الخير والفضيلة ونبذ العنف والكراهية التي تلحق الأذى والضرر العام في المجتمع،
لذلك عمل (برنارد شو) من خلال المسرح ليجعله ورشة تتدرب فيها النفس الإنسانية على القيم والأخلاق النبيلة والفضيلة؛
ليتم إعادة تقدير مواقفها واعتماد على لغة المنطق والعقل كأساس لأي رأي وموقف يتخذه الإنسان ليكون مواقفه سليمة لبناء أهداف سامية؛
وليتم تحقيق هدف الإنسانية في التنمية الاجتماعية، والقدوة الحسنة،
لان مسعى (برنارد شو) كان من المسرح بان يجعله أداة لتحريك الشعوب والثورة ضد الظلم والفقر والفوارق الطبقية والاضطهاد.
لذلك حرض (برنارد شو) على مسرح فكري اجتماعي يتناول فيه شتى نواحي الحياة لتكون موضوعات مسرحياته منبرا لعلاج أمراض المجتمع،
ومن هنا تكمن أهمية مسرح (برنارد شو) بكونه خطاب مؤثر وهادف تنطلق حبكته وفق سياق درامي كوميدي وتراجيدي
من اجل إثارة المشاهد وفق مواقف طريفة وهادفة لتصل الفكرة إلى المتلقي بسلاسة وعفوية
فيتفاعل مع إحداثها تفاعلا ايجابيا لتسهم في أغناء وعي المجتمع فكريا وثقافيا كي يرتقى المجتمع إلى مستوى تحمل مسؤولياته في بناء ثقافة اجتماعية تساهم لرقيه.
بجماليون أو سيدتي الجميلة
فلو أخذنا مسرحية (بجماليون) التي كتبها (برنادشو) والتي اشتهرت باسم (سيدتي الجميلة)
بعد ان تم اقتباس فكرتها إلى فلم سينمائي عام 1935 وفاز سيناريو الفلم الذي كتبه (برنارد شو) بجائزة (أوسكار) السينمائية عام 1939 كأفضل فلم مقتبس من مسرحية (بجماليون)،
وقد سبق له الفوز بجائزة(نوبل) للآداب عام 1925 ، كما ذكرنا سابقا .
وتعتبر هذه المسرحية من أفضل وأروع مسرحيات (برنارد شو) حيث وجدوا النقاد ومطلعي المسرح بكونها مليئة بقيم ومشاعر إنسانية فياضة
استطاع (برنارد شو) التعبير بصدق بتعاطفه مع شخصية المسرحية التي خلقها وهي ممتلئة بنزعة إنسانية عميقة؛
ومع هذه الشخصية البسيطة – ولو انه كان ضد عملية الخلق التي تعرضت هذه الشخصية وضد الفنان المبدع لهذه الشخصية –
فـ(برنارد شو) في هذا العمل أتقن لغته لتكون بقوة الفكرة التي انطلق في بلورتها في شخصية المسرحية.. وكيفية تقبل هذه الشخصية فكرة التعلم.. و(الاتيكيت) الكلام.. وكيفية الصرف والتكلم.. وكيفية التفكر.. وكيفية مواجه الفكرة..
وكيف وعيها بما تفعله خارج انطباعات لبيئة التي عاشت فيها.. وتعلم سلوكياتها لتواجه نمط أخر من سلوكيات هي جديدة لها .
فالمسرحية بحجم عمقها الإنساني؛ هي طريفة وممتعة فكرا.. وفنا.. وإبداعا،
فمسرحية (بجماليون) هي مسرحية مقتبسة من أسطورة (بجماليون اليونانية)،
حيث تذهب (الأسطورة) بكون هناك نحات نحت تمثالا من الحجر المرمر لوجه وجسد امرأة،
وارد أن تكون في منتهى الجمال والروعة فبالغ في صقلها وتعبير في تقسيمات وجهها وجسدها؛
لدرجة التي لم يبقى من جمالها وروعتها سوى النطق،
ورمز هذه (الأسطورة) يستخدم في الإشارة إلى كل من يخلق شيئا جميلا ومميزا من أشياء عادية لا تثير المتلقي .
ومن هذا المعنى اقتبس (برنارد شو) فكرة مسرحيته في (سيدتي الجميلة – بجماليون)،
حيث قام بدور الفنان المبدع شخصية اسماها (برنارد شو) في المسرحية بـ(البروفيسور هنري هيجنز) وصديقه (الكولونيل بيكرنغ) حيث دار النقاش بينهما حول فتاة هي (اليزا دوليتل)،
التي وجدوها في إحدى الأسواق وهي تبيع الزهور و تتحدث بلغة سوقية مبتذلة التصرف ومشاكسة،
فأثار تصرفات هذه الفتاة (هيغنز) ليقول لصديقه إن بإمكانه خلال فترة وجيزة أن يحول هذه الفتاة إلى سيدة أرستقراطية،
عبر تعليمها أسلوب الحديث وتدريبها على (الاتيكيت) وأصول الكلام وكيفية الحديث ليحولها إلى نسخة من سيدات المجتمع الارستقراطي وخلال ستة أسابيع فقط .
فيرد (الكولونيل) منطقيا هذا غير ممكن،
ليقوم الرهان بين الطرفين وعلى أثر ذلك يذهب (هنري هيغنز) إلى بائعة الزهور الصبية (اليزا) ويعرض عليها أن يعلمها المنطق مقابل بعض مال يعطيه لها ومال آخر يعطيه لأبيها، فبدون تردد توافق الفتاة،
فيصطحبها في كل براءة إلى منزله وتبدأ التمارين على الفور، وهو يشعر بأنه يسابق الزمن.
غير أن (اليزا) لم تخيب أمل (هيغنز)، بل تتجاوب معه إلى درجة أنها خلال التمارين أبدت من الاستعداد والفهم والذكاء واللباقة ما أذهل (هيغنز)،
وخلال فترة محددة، نجحت (اليزا) في كل الاختبارات التي أجريت لها،
من حيث نطق اللغة وأدائها وأسلوب الحوار؛ ولقد تجلى ذلك كله خلال حفلة صاخبة أقيمت في حديقة منزل احد أصدقاء (هنري هيغنز) حيث اصطحب (هيغنز) تلميذته (اليزا) إلى الحفلة ليقدمها إلى الحفل من دون أن يكشف سرها لأحد على أنها (دوقة – أو سيدة راقية)،
وبالفعل تصرفت (اليزا) بمنتهى الذوق و(الاتيكيت) وهي في غاية الجمال والأناقة، وكأنها – دوقة أو سيدة راقية – حقيقية،
وهذا تصرفها اثأر ذهول (هيغنز) و(الكولونيل)،
في كيفية تصرفها وكأنها من أرقى العائلات الأرستقراطية.
وبهذا النجاح اخذ (هنري هيغنز) و(الكولونيل) يهنئان نفسيهما وبنجاح التلميذة وقدرتها على إقناع الجميع بأنها سيدة المجتمع الارستقراطي حقيقية،
ولكن في هذه الإثناء انتبهت (اليزا) إلى أساتذتها وهم لا يقيمان أي وزن لجهد التي هي بذلته في التعليم،
فهي من جهة لم تبالي كثيرا بموقف (الكولونيل) لأنها لم تهتم به رغم انه كان يبادلها الود،
ولكن موقف (هنري هيغنز) أغاظها كثيرا لأنها كانت مغرمة به؛ في وقت الذي لم يلاحظ ولم يشعر بها؛ وهذا ما أحزنها؛ والآن هو يتجاهلها كامرأة وإنسانة من لحم ودم تشعر وتحس وتتألم، بكونه كان يعتبرها مجرد مادة يختبر دراساته،
صحيح أنها كانت مادة طيعة بين يديه مثل المادة التي صنع منها (بيجماليون) نحته كما جاء الحديث في (الأسطورة)،
لكنها في نهاية الأمر هي كائن بشري تشعر وتحس وتحب وتحزن وتبكي وهي على يقين بأنها ليست مجرد دمية مصنوعة من الحجر،
وهذا الإحساس كان عند (اليزا) بينما أستاذها (هنري هيغنز) يعيش خارجه هذا الإحساس،
كونه كان مهووس بعلمه وبانتصاره ولم يخطر في باله أن للمادة التي اشتغل عليها فيها مشاعر ونبض وإحساس،
ففي الوقت الذي كان ينمي لدى (اليزا) أسلوب الحياة الناجح، كان يملئ قلبها حب.. وحنان.. وشوق،
وحين عجزت (اليزا) من قدرة (هيغنز) فهم مشاعرها اتجاه بعد انتصاره، تذهب إلى منزل والدته، السيدة الليبرالية الواعية،
وهذه إذ تؤنب ابنها و تدفعه إلى التفكير في الأمر مليا ليدرك بأن (اليزا) أصبحت جزءا من حياته،
ولكن ليس على النحو الذي كانت تأمله (اليزا) .
حين يتوجه (هيغنز) إليها في صبيحة اليوم التالي يطلب منها السماح والعفو ويعرض عليها أن تعود إلى منزله لتعيش معه ومع صديقه (الكولونيل) كأصدقاء،
فتثير غيض (اليزا) وغضبها فهي لم تشعر بأن (هيغنز) يغدر بحبها بل إنه الآن يغدر بكرامتها أيضا،
فترفض العرض كونها لا تسعى إلى الحصول على صدقة منه وصداقة أو حياة مترفة، بل إن جل ما كان تبتغي هو الحب والحنان وأن ينظر(هيغنز) إليها بنظرة الحب،
لكنه (هيغنز) يرفض ذلك، فيحاول إقناعها بأن هذا الأمر يتعارض مع طبيعته،
ولهذا لم يبقى أمام (اليزا) التي أصبحت إنسانة لها شخصيتها بما تمتلك من ثقة بالنفس وقدرة على مجابهة الحياة،
لذلك قررت أن تخرج من حياة أستاذها لتعلن أمامه وردا على تجاهل (هيغنز) المتواصل لعواطفها كي تتزوج من فتى فقير، لكنه نبيل،
يوازيها عمرها وثقافتها و كان يحبها منذ زمن بعيد،
كما أنها تعلن أمام (هيغنز) أنها لم تعد راغبة من الآن وصاعدا العودة إلى بيع الزهور طالما أن لهجتها الجديدة لا تمكنها من هذا؛
لذلك قررت التوجه نحو التدريس لتصبح أستاذة صوتيات،
مثل معلمها (هيغنز) بل وتسعى إلى منافسته .
ومن روعة حبكة هذه المسرحية اخذ عنها الكثير من الاقتباسات ولكن في بعض من هذه الاقتباسات تم تبديل نهايتها كما ظهر في عرض الفلم (سيدتي الجميلة)
حيث تخرج نهاية سعيدة إذ يرتبط (هيغنز) و(إليزا) برباط الزوج في النهاية .