الميثولوجيا الأشورية وتأثيراتها على الأمم الأخرى.. مقال للكاتب فؤاد الكنجي ، عيد رأس السنة الأشورية (اكيتو)، نموذجا الجزء 4 من 4
الميثولوجيا الأشورية وتأثيراتها على الأمم الأخرى..
عيد رأس السنة الأشورية (اكيتو)، نموذجا
فواد الكنجي
ورغم كل ما أصاب (الأشوريون) منذ سقوط دولتهم في 612 ق.م حيث ما إن ترتكب بحقهم مجزرة حتى ترتكب مجزرة أخرى، وخاصة عند دخولهم إلى الديانة (المسيحية) وصولا إلى مجاز التي ارتكبها (العثمانيون) و(الفرس) قبل وبعد القرن العشرين في (تركيا) و(إيران) وتحديدا ما بين ( 1915- 1918) وفي العراق ما بين (1920- 1933) ناهيك عن الاضطهاد السياسية التي مارستها أنظمة الحكم في (العراق) بحق (الأشوريين) وسياسة استهدافهم على الهوية الدينية والقومية والفكرية والثقافية ليجبروا إلى النزوح والهجرة من ارض إبائهم وأجدادهم في (العراق) وطن (الأشوريين)، ومع كل حملة اضطهاد وسياسة إلغاء الهوية تمسك (الأشوريين) وواصل النضال والتشبث بأرضهم و بإرثهم الحضاري رغم التضحيات الجسام التي ذاقوها من استهداف..وقتل.. وخطف.. وتجريف أراضيهم وقراهم..
وحتى لم تسلم مقابرهم من التجريف والتخريب بل تجاوزا أمر التخريب والتجريف إلى مواقع الآثار للحضارة (الأشورية) التي هي ارث الدول وحضارة العالم، ولكن لأنها تحمل صفة الهوية (الأشورية) تم تجاوز عليها لتكون مواقع الآثار ساحة مفتوحة لسلب والنهب والتخريب، كما حدث في (نينوى) اثر احتلالها من قبل الدولة الإسلامية الداعشية في 2014، وما أعقبها من نزوح هائل لـ(لأشوريين) تشتتوا في المخيمات ودول الجوار وفي شتات الأرض بعد حملة موسعة من قبل أعداء الأمة (الأشورية) في استهدافهم المباشر من اجل محو وإلغاء هويتهم القومية والدينية من على أرض الإباء والأجداد في (العراق)، مما زاد من نزيف الهجرة، ومع كل هذه المعانات والمجاز والاضطهاد لم يتخلى (الأشوريين) لا عن ديانتهم (المسيحية) ولا عن هويتهم القومية (الأشورية)، وتواصلوا متشبثين بكل ما أتى لهم من قوة وعمل وكفاح من اجل البقاء في وطن الأجداد في (العراق) ومن اجل الاحتفاظ بأرضهم.. وبطقوس ارثهم الحضاري.. ومورثهم الشعبي.. وعاداتهم.. وتقليدهم.. ولغتهم (الأشورية)، ليواصلوا الاحتفال كل عام بأعياد (اكيتو) في (الأول من نيسان) كرمز من رموز التمسك بالهوية القومية (الأشورية)، رغم أنهم بدخولهم (المسيحية) تغير الكثير من رموز الاحتفال بعيد (اكيتو) على ما كان يمارس قبل أكثر من سبعة ألاف سنه؛ لتغيير طبيعة التحضر ومعاني الحياة ودخول مفاهيم معاصره على طبيعة البشرية، ولان (الأشوريين) واكبوا قيم التحضر والمعاصرة، حيث يعتبرون اليوم من أكثر ألأقوام في العالم وشعوبها تحضرا، فكرا.. وثقافة.. و وعيا.. وتقبلا للقيم الحضارة المعاصرة، ومع ذلك فأنهم إن يحتفلون اليوم بعيد (اكيتو- رأس السنة الأشورية) إنما يحتفلون وفق قيم ومفاهيم معاصرة وبطريقة متحضرة، لدرجة التي واكبت كنيستهم (الأشورية) هذا التحضر، بل ساهمت مساهمة فاعلة وفعلية بالاحتفاظ على روح التقاليد القومية على مر العصور، ولهذا بقى (الأشوريين) مع كنيستهم يحتفلون بأول من نيسان كعيد قومي لبداية الربيع وتجدد الحياة، لذلك ينظمون مسيرات احتفالية وكرنقالات ومهرجانات وتقديم رقصات شعبية وارتداء ملابس خاصة بالزى (الأشوري) المعروف بنقشاته وتطريزه الأنيق؛ حيث يتجمع المحتفلون بأعداد هائلة في أحضان الطبيعة كما ويقوم اغلب العوائل بوضع باقة من العشب الأخضر في صبيحة الأول من نيسان على أبواب بيوتهم تعبيرا عن قدم الربيع وبداية شهر الخير و الفرح ويسمونه بـ(ذقن نيسان أو لحية نيسان)، وكما تقوم العوائل بتبادل الزيارات فيما بينهم لتقديم التهاني بقدوم الربيع وبشكل متحضر يواكب مع روح العصر.
ليبقى الاحتفال بالأول من نيسان (كيتو) عيدا قوميا لـ(لأشوريين) ولتذكير شعوب الأرض عن قيمة الميثولوجيا (الأشورية) ومدى تأثيرات التي تركته في الفكر الإنساني وفي تطوير الثقافة والمعرفة البشرية والتي منها انطلقت كل المعارف والعلوم الإنسانية والعلمية والاقتصادية والسياسية في العالم .ومن هنا تكمن أهمية التراث في تعزيز وتغذية ودعم العقل الجمعي من اجل تشكيل الوعي العام في المجتمع (الأشوري) ومده بالقيم من روح الحضارة (الأشورية) ومن صميم معطياتها الفكرية، ولهذا فان حفظها ونشرها ونقها من جيل إلى جيل يتحمل مسؤوليتها جميع أبناء الأمة (الأشورية) لضمان استمراريتها؛ باعتبارها تمثل مدا شعوريا ترسم ملامح الهوية القومية ليتم التواصل مع الأجيال، لان تمسك وارتباط أفراد المجتمع (الأشوري) بماضيهم وعراقتهم وجذورهم هو الذي يجعلهم تلقائيا يتكيفوا مع واقعهم بما أورثوه؛ ليتم التواصل والتلاؤم بين الماضي.. والحاضر.. والمستقبل، لان هوية الإنسان هي مجموعة من قيم وخصائص وسمات لمجتمع أو لمجموعة أثنية (ما)؛ سواء أكان ذلك على المستوى الروحاني أو المادي أو معنوي، بمعني أن الفكر والثقافة من الفنون.. والآداب. وأنظمة القيم.. والدين.. والأعراف.. والتقاليد.. والمعتقدات.. والتراث.. هي التي تميز أي مجتمع عن مجتمع آخر.ولهذا تعمل مؤسسات الأمة (الأشورية) – سوا في الوطن (العراق) أو في الشتات – على تنمية ثقافة المجتمع (الأشوري) عبر تطور مؤوسسات التربية والتعليم ابتدأ من المراحل الابتدائية وانتهاء بمراحل الدراسة الجامعية و بالدراسات العليا، وهذا هو طموح المجتمع (الأشوري) اليوم، وتقوم بأداء هذا الواجب (كنيسة المشرق الأشورية) سواء في (العراق) أو في مناطق وجود (الأشوريين) في شتات الأرض؛ حيث تقوم وبمسعى حثيث وبجهود مضنية بتوسيع مؤوسسات التربية والتعليم لتتخطى مراحل الابتدائية إلى الثانوية والى الدراسات الجامعية وتوفير كل مستلزمات لنجاح هذا المسعى لمواكبة تعزيز الوعي القومي والثقافي بين أفراد المجتمع (الأشوري)، وليتم وبشكل أوسع ترقية الوعي الثقافي في المحيط الاجتماعي بما يساهم إثراء الآليات تطبيقه على المشهد الثقافي (الأشوري) وممارسته؛ ليتم إدماجه في وعي الأفراد إدماجا معنويا.. وفكريا.. وروحيا.. ووجدانيا؛ ليتم رفع مستواهم ثقافيا.. وعلميا.. وتربويا.. وسياسيا.. واقتصاديا.. واجتماعيا، لان ثقافة المجتمع كلما تبنت سياسة تنموية وتنوعت وتعددت آليات تطبيقها كلما تقدمت خطوة إلى الإمام والتي على ضوئها تتقدم خطوة نحو التقدم والازدهار، باعتبار الثقافة جزء من حضارة الأمة وفلسفتها، والحضارة (الأشورية) ما كان لها إن تصل إلى مستوى (الإمبراطورية) إلا حين توجهت توجها ثقافيا.. وعلميا.. وتربويا.. وسياسيا.. واقتصاديا.. واجتماعيا؛ ولهذا عرفت بهذا الثراء بين الأمم ونالت رفعة وشموخ .لذلك يجب الحفاظ على التراث والعمل على تنميته باعتباره خيارا استراتيجيا للوجود القومي (الأشوري) بين إلام وشعوب العالم، لأن (ألأشوريين) امة تنعم بالتاريخ العريق، ليس في (العراق) فحسب بل في العلم اجمع، بكون عمقها الحضاري يمتد لأكثر من سبعة ألاف سنة ق.م، فهي حضارة عظيمة أوجدت لنفسها مكانة سامية بين الأمم وشعوب الأرض لما حملته من شواهد شامخة منذ عصور ما قبل الميلاد؛ والحفاظ على هذا الإرث ضرورة ليس للأمة (الأشورية) فحسب بل لكل المجتمعات في العالم، لأننا من خلالها ننظر بأمل ليشرق لنا آفاق المستقبل، لأن (الحضارة الأشورية) هي أولى الحضارات ومنها انطلقت المعارف والعلوم الإنسانية، ولهذا لابد أن نسترجع النقاط المضيئة من تاريخ هذه الأمة لنستمد منها مقومات للوصول إلى غد مشرق لكل الأجيال ولكل المجتمعات في العالم .
فواد الكنجي