الديمقراطية اسم لا حقيقة له د جعفر شيخ إدريس
مقال للدكتور جعفر الشيخ إدريس بعنوان الديمقراطية اسم لا حقيقة له.
تطرق فيه لتعريف الديمقراطية بأسلوب تخصصي نادر من مفكر يمتلك رؤية تحليلية ثاقبة
المقال في 2348 كلمة و144 فقرة ، يتطلب قارئ من المستوى الرابع ، تستغرق قراءته بصمت ثمان دقائق، وتحتاج 13 دقيقة للإلقاء للقارئ بطلاقة … تمنياتنا لكم بالاستمتاع والفائدة
مقدمة : الديمقراطية اسم لا حقيقة له
( لم تجد الديمقراطية في تاريخها كله رواجاً مثلما وجدت في عصرنا هذا :
لقد كان معظم المفكرين الغربيين منذ عهد اليونان كثيري النقد لها ، بل ورفضها ،
حتى إن أحد الفلاسفة البريطانيين المعاصرين ليقول :
إذا حكمنا على الديمقراطية حكماً ديمقراطياً بعدد من معها وعدد من ضدها من المفكرين لكانت هي الخاسرة .
أما في عصرنا فإن الدعاية الواسعة لها أعمت كثيراً من الناس . لا سيما في بلادنا ـ عن عيوبها التي يعرفها منظورها الغربيون ـ
بل إن المفتونين بها المروجين لها صاروا يصورونهم كالبلسم الشافي لكل مشكلات المجتمع السياسية وغير السياسية .
لذلك رأيت أن أشارك في تصحيح هذه الصورة الكاذبة
ابتداء بهذا المقال الذي أرجو أن يكون فاتحة لكتاب كامل عن مشكلات الديمقراطية والبدائل الإسلامية .
أول ما يؤخذ علي الديمقراطية كونها اسماً لا حقيقة له ،
أعني أنه إذا وصف لك نظام سياسي بأنه دكتاتوري أو ديني مثلاً تصورت ما المقصود بهذه الوصف ،
وكانت صورتك الذهنية هذه مطابقة للواقع الذي يوصف بهذا الوصف . ولكن ليس كذلك الآمر بالنسبة للديمقراطية ،
إذا إن الديمقراطية كما يدل عليها اسمها ،
وكما يعرفها كبار منريها وساستها هي حكم الشعب . لكن الصورة الواقعية لما يسمي بالديمقراطية ـ مهما كانت حسناتها أو سيئاتها ـ ليست هي حكم الشعب :
أولا :
لأن مفهوم الشعب نفسه مفهوم غامض كما يرى بعض كبار منظري الديمقراطية .
استمع إلى الأستاذ ( رو برت دال ) الذي ربما كان صاحب أشمل بحث أمريكي عن الديمقراطية ،
وهو الذي وصف في غلاف كتابه هذا ننقل عنه بأنه “” من أبرز منظري زماننا السياسيين “” وأنه نال على هذا الكتاب جائزتين كبيرتين :”
“”” إن دعاة الديمقراطية ـ بما في ذلك الفلاسفة السياسيون ـ يتميزون بكونهم يفترضون مقدماً أن هناك شعباً موجوداً فعلاً ،
إنهم يعدون وجوده واقعياُ صنعه التاريخ ، لكن هذه الواقعية أمر مشكوك فيه ،
كما كان مشكوكاً فيه في الولايات المتحدة عام 1861 م عندما حسم الأمر بالعنف لا بالرضي ولا بالإجماع .
إن الافتراض بأن هناك شعباَ موجوداً ،
وما يبنى على هذا الافتراض من لوازم تصير جزءاً من النظرية الديمقراطية الخيالية “”
الذين أسسوا النظام الديمقراطي كانوا فئة قليلة من الناس هم الذين قرروا من الذي يستحق أن يدخل في مسمي الشعب الحاكم ومن الذي لا يستحق .
ثانياُ :
لأن الشعب لم يكن في يوم من الأيام ولن يكون حاكماً ، ذلك أمر متعذر .
وإليك بعض شهادات أهلها على ذلك :
إن الديمقراطية المثالية هي ما يسمي بالديمقراطية المباشرة
التي يقال إنها كانت تمارس في أثينا ، أول دولة ديمقراطية نشأت في القرن الخامس قبل الميلاد . تسمى بالمباشرة ،
لأن “” الشعب “” كان يجتمع في العام أربعين مرة ليناقض كل القضايا السياسية المهمة مناقشة مباشرة ويدر فيها قراراته ، لكنها مع ذلك لتم تكن حكم الشعب :
1- لأن الذين أسسوا النظام الديمقراطي كانوا فئة قليلة من الناس هم الذين قرروا من الذي يستحق أن يدخل في مسمي الشعب الحاكم ومن الذي لا يستحق ، استثنوا النساء ، والرقيق ،
وكل من كان من أصل غير أثثني مهما طال مكثه يها ، وعليه فلم يكن الذين لهم حق المشاركة السياسية آلا نسبة ضئيلة من المواطنين
2- كان يكفي لا اعتبار الاجتماع منعقداً أن يحضره ستة آلاف مما يقدر بست وثلاثين ألف عضو ، أي إن القرارات المتخذة فيه لم تكن قرارت تلك الفئة كلها التي أعطيت حق الحكم
3- كانت مدة الاجتماع لا تتجاوز عشر ساعات ، فلم يكن بإمكان الناس جميعاً أن يشاركوا في المداولات ،
وإنما كان الذي يستأثر بالكلام بعض قادتهم ، وكانت البقية تابعة لهم .”
“لما بعثت الديمقراطية مرة ثانية في القرن الثامن عشر في أوربا كان من المتعذر أن تكون ديمقراطية مثل ديمقراطية أثينا بسبب الازدياد في عدد السكان ، وصعوبة اجتماعهم ،
ولكن بدلاً من أن يقال إن الديمقراطية بمعنى حكم الشعب غير ممكنة الآن ، فلنبحث عن نظام حكم آخر بتناسب مع واقعتا .
تحايل بعضهم فسمى ديمقراطية أثينا بالديمقراطية المباشرة .
ديمقراطية تمثيلية
واقترح أن تكون الديمقراطية الحديثة ديمقراطية غير مباشرة ، أو ديمقراطية تمثيلية ، أي ديمقراطية يختار فيها الشعب فئة قليلة منه ممثلة له وحاكمة باسمه .
كان هذا التحايل ضرورياً ، لأنه كانت هناك أزمة سيادة :
من هو الجدير بأن يكون السيد الآمر الناهي الذي لا معقب لحكمه ؟ كانت هذه السيادة للملوك ، وكانوا يعدون هذا الحق حقاً إلهياً أعطاهموه الله تعالى ،
لأن الناس كانوا قبل ذلك مؤمنين يعتقدون أن مثل السيادة لا تكون إلا لله أو لمن أعطاها الله له ،
لكن الناس لم يعودوا يؤمنون بهذا بعد الثورة الفكرية الكبيرة التي حدثت في قرنهم الثامن عشر ،
والتي كانت في مجملها دعوة للانسلاخ من حكم الدين في كل مجال من مجالات الحياة .
لا بديل لحكم الله
لم يكن هناك من بديل لحكم الله أو لحق الملوك المقدس في الحكم ، إلا أن يقال إن الحكم للشعب كله ، فهو صاحب الكلمة الأخيرة فيما ينبغي أن يكون أو لا يكون .
لكن الديمقراطية المباشرة عن أن تكون حكماً للشعب ، وذلك :
1- لأن الحكم له معنيان : حكم تشريعي ، وحكم تنفيذي .
فبأي معنى يحكم الشعب ؟ لا يمكن ان يحكم بالمعني الثاني ، لأن الشعب لا يمكن أن يكون كله رأس دولة أو مجلس وزراء أو قائد جيش ،
وكان الفيلسوف الفرنسي رو سو أول من سخر من الديمقراطية بمعنى الحكم التنفيذي ، فقال :”
“إذا أخذنا العبارة ـ يعني كلمة الديمقراطية ـ بمعناها الدقيق ، فإنه لم تكن هناك قط ديمقراطية حقيقة ، ولن تكون .
أنه من المخالف للنظام الطبيعي أن تكون الأغلبية حاكمة والأقلية محكومة .
إنه لا يتصور أن يكون الشعب مجتمعاً دائماً لقضاء وقته في تصريف الشؤون العامة .
ومن الواضح ِأنه لا يمكن أن يكون لجاناً لهذا الغرض إلا بتعبير شكل النظام الإداري .
2- لم يبق إذن إلا الحكم بمعنى التشريع ، لكن الشعب ليس هو المشرع في الديمقراطية النيابية ،
وإنما هو الذي ينتخب من يشرع ومرة أخرى نستمع إلى رو سو ساخراً من هذا :
إن الأمة الإنجليزية تعتبر نفسها حرة ، لكنها مخطئة خطاء فادحاً ،
إنها حرة أبان فترة انتخابات أعضاء البرلمان ، وبمجرد أن ينتخبوا ، فإن العبودية تسيطر عليها ،
فلا تكون شيئاً وكيفية استفادتها من لحظات الحرية القصيرة التي تستمتع بها تدل على أنها تستحق أن تفقدها
نواب الشعب ليسوا الشعب
3- لأن نواب الشعب ليسوا هم الشعب حتى لو كان يجتمعون للبت في قضية واحدة يعرف كل منهم رأي ممثليه فيها،
أما والقضايا كثيرة ومعقدة وبحاجة إلى علم لا يتأتي لعامة الناس ، فإن الحكم لا يكون حكم الشعب .
نعم ! إن كل نائب منهم يتجنب المشاركة في تشريع يعلم أن أكثر الناس في دائرته الانتخابية لا توافق عليه ،
وأنه إن شارك فيه فربما يفقد مقعده في الانتخابات التالية . لكن هذا قليل جداً من كثير .
4- والمتخبون لا يكونوا في الواقع منتخبين بالإجماع الذي يقتضيه وصف الحكم بأنه حكم الشعب ،
وإنما ينتخبون بالأغلبية ، والأغلبية ليست هي الكل ،
وما ترتضيه الأغلبية في دائرة معينة قد لا ترتضيه الأغلبية في دائرة أخرى ،
أو قد لا ترتضيه أغلبية الشعب لو كان انتخابه مباشراً ، لكنه مع ذلك يعد ممثلاً للشعب و حاكماً باسمه .”
“5- ثم إن الأغلبية لم تكن في بداية الديمقراطية هي أغلبية الشعب كله ، فقد استثنوا منها النساء ، واستثنوا بعض الفقراء ، واستثني الأمريكان الأرقاء ،
استبعاد النساء
فلم يدخل النساء في مفهوم الشعب الحاكم الذي يحق له أن يصوت إلا في عام 1918 م في بريطانيا ،
وعام 1920 م في الولايات المتحدة ،
ولم يعط السود هذا الحق إلا بتعديل للدستور الأمريكي في عام 1886 م ،
ولكن حتى بعد شمول مفهوم الشعب الحاكم لكل المواطنين باستثناء الأطفال ،
ظلت بعض الفئات محرومة من حق المشاركة في الانتخابات . استمع إلى ما يقول هذا المؤلف الأمريكي في كتاب له حديث عن الديمقراطية :
ملايين من الناس يبقون فاقدين حق التصويت كلياً أو جزئياً :
مئات الألوف من المواطنين الذين يعيشون في واشنطن العاصمة ، مليون ونصف مليون ممن ارتكبوا جنحاً وعوقبوا على ارتكابها ،
لكن ولا ياتهم تحرمهم رغم ذلك من التصويت . عدة ملايين من الذين يعيشون في بروتوريكو وأقاليم فيدرالية أخري ،
والملايين غير المحددة في أمريكا كلها الذين تضع أوارق تصويتهم ، أو تحسب خطاء أو تحطم في كل انتخاب .
6- وبما أن الانتخابات في أمريكا إنما يشارك فيها من سجل اسمه للمشاركة فيها قبل بدئها ،
وبما أن كثير من الناس لا يسجلوا أسمائهم ، فإن الأغلبية إنما تكون أغلبية من صوتوا ممن سجلوا ممن يحق لهم أن يصوتوا ،
وقد كانت هذه النسبة في انتخابات عام 2000 م كالآتي كما جاء في تقرير حكومي رسمي :
من مجموع عدد الناس البالغ عددهم 203 مليون والذين كانت أعمارهم 18 عاماً أو أكثر ،
186 مليوناً منهم مواطنون ، سجل منهم للانتخابات 130 ، وصوت منهم 111 ،
وعليه فقد كانت معدلات تصويت السكان الذين أعمارهم 18 عاماً أو أكثر 55 % من مجموع السكان ، و 60 % من المواطنين ، 86 % من المسجلين .
الديمقراطية الليبرالية :”
“هناك أمر لا يتفطن إليه كثير من الناس هو أن الديمقراطية في البلاد الغربية ليست ديمقراطية خالصة مطلقة وإنما هي ديمقراطية مقيدة بالليبرالية .
ما معنى هذا ؟ الليبرالية نظرية سياسية فحواها أن المجتمع يتكون أساساً من أفراد ـ
لا من طبقات ولا من أسر ولا من أي تجمعات أخري ـ
وبما أن الفرد هو أساس المجتمع ، وبما ان له ـ بوصفه فرداً ـ حقوقاً أهمها حريته ، فإنه لا يجوز للحكومة ولا لفئة من الشعب ،
بل ولا لأغلبية الشعب أن تتغول على حريته .
ولذلك فإنهم يدعون إلى ما يسمونه بالحد الأدنى من الحكومة ، أي إن الأساس هو أن يترك الأفراد أحراراً يختارون ماشاؤوا ،
فعلى الدولة أن لا تتدخل تدخلاً اضطرارياً الغرض منه حفظ حقوق الأفراد التي قد يتغول عليها بعضهم . ويحذرون لذلك مما يسمونه بدكتاتورية الأغلبية .
كنت أنوي الاستدلال على ذلك بكتابات عدد من الساسة والمنظرين الغربيين ولا سيما الأمريكيين منهم ،
لمن أغناني عن كل ذلك كلام وجدته لواحد منهم معروف اسمه ( ليبمان ) قال عنه مقدمو الكتاب الذي نشروا فيه مجموعة من مقالاته ،
والذي ننقل منه النصوص التالية : “” إنه ربما كان أعظم مفكر سياسي بصدده :
“” يجب في رأيي أن نرفض القول بأن مبادئ الحرية والعدالة والحكم الصالح إنما تتمثل في حكم الأغلبية .
أصل المسألة
هنا يكمن أصل المسألة . لقد كان [ الرئيس ] واشنطن يعتقد أن الشعب يجب أن يحكم ،
لكنه لم يكن يعتقد أنه بسبب حكم الشعب تتحقق الحرية ويتحقق العدل والحكم الصالح .
كان يعتقد أن الشعب ذا السيادة لا يؤتمن الملك ذو السيادة الذي كان هو خلفاً له ـ على السلطة المطلة .
إنه لم يخدع نفسه …. إنه لم يكن يؤمن بما صار الآن الأيديولوجية الديمقراطية السائدة :
أن كل ما رأت جماهير الناس أنها تريده فيجب أن يقبل على أنه الحقيقة .”
“لقد كان يعلم أنه لا ضمان من أن يتحول حكم الشعب إلى حكم قهري ، تعسفي ، فاسد ، ظالم وغير حكيم ،
إن الشعب أيضاً يجب أن يكبح جماحه . إنه كغيره يجب أن يحاسب . إنهم كغيرهم يجب أن يعلموا ، إنهم كغيرهم يجب أن يرفعوا فوق مستوى سلوكهم المعتاد “”
سيقول الديمقراطي المللتزم بمبدئه : لكنكم بهذا تضعون سلطة فوق سلطة الشعب ،
والمبدأ الديمقراطي هو أن السلطة للشعب ، فلا أنت إذن ياليبمان ولا واشنطن من قبلك بديمقراطيين .
سيرد ليبمان بأنكم تحتاجوننا بالديمقراطية الخالصة التي تؤمن بسيادة الشعب إيماناً مطلقاً ،
لكن الديمقراطية التي أتحدث عنها وأدعو إليها هي الديمقراطية اللبرالية التي تحد من هذه السلطة .
سيذهب بعض اللبراليين الذين جاؤوا من بعد واشنطن بعقود إلى أبعد مما ذهب إليه فيؤكدون أن الليبرالية عندهم هي الأساس ،
وأنه إذا حدث تعارض بينها وبين الديمقراطية فينبغي التضحية بهذه لا بتلك .
فهذا هو المفكر الليبرالي هايك يقول بعد أن دافع عن الديمقراطية دفاعاً قوياً ،
وبعد أن بين ضرورة الليبرالية لها في كتاب له نال شهرة واسعة قبل خمسين عاماً :
لا أريد أن أجعل من الديمقراطية وثناُ يعبد ، فربما يكون حقاً أن جيلنا يتحدث ويفكر أكثر مما يجب عن الديمقراطية ،
وأقل مما يجب عن القيم التي تخدمها … إن الديمقراطية في جوهرها وسيلة .
إنها أداة عملية لضمان الأمن الداخلي والحرية الشخصية . فليست هي بهذه المثابة معصومة ولا مضمونة .
كما أن لا ننسى أنه ما تحقق قدر من الحرية الثقافية والروحية في ظل حكم مطلق أكثر مما تحقق في بعض الديمقراطيات “”
موقفنا من النظم التي تسمي بالديمقراطية :”
النظم السياسية التي تسمى بالديمقراطية ليست هي إذن ديمقراطية بمعنى أن الحكم فيها للشعب ،
وإنما هي نظم سياسية مختلفة وإن كان بينها خصائص مهمة مشتركة .
فمن الخطأ إذن تعريف الديمقراطية بأنها نظام الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو فرنسا أو غيرها من الدول الغربية .
وعليه فإذا كان من حق هذه الدول أن تجتهد وتختار لنفسها ما تراه مناسباً لها من تفاصيل المؤسسات والقيم السياسية ،
مع أنها جميعاً تتسمى بالديمقراطية ،
أفلا يكون من حقنا أيضاً أن نختار من المبادئ والقيم السياسية ما نراه مناسباً لهويتنا وواقعتا ووسيلة أحسن لتحقيق أهدافها ،
سواء كان فيه ما يشابه النظم الديمقراطية أو يخالفها ؟ بلي ! بل إن هذا لهو المسلك الطبيعي لكل أمة تقضي بعقلها وتحترم نفسها وتعتز بهويتها وأصالها .
المبادئ والقيم أولاً
“وعليه فإذا أرادت دولة من دولنا أن تختار لنفسها نظاماً تراه معبراً عن هويتها ومناسباً لعصرها ،
فيجب أن تبدأ بتقرير المبادئ والقيم التي تريد للدولة أن تلتزم بها ،
ثم تبحث بعد ذلك عن المؤسسات المناسبة لعصرها وظروفها التي يمكن أن تحمل تلك القيم وتعبر عنها .
يمكنها مثلاُ أن تقول إنها تريد لدولتها أن تمييز بخصائص منها اختيار الأمة لحاكمها ، وسيادة حكم القانون ، وحرية الرأي ،
وأن يكون كل هذا في نطاق ما تؤمن به من منهج في الحياة لا يلزم أن يكون مماثلاُ لمناهج الحياة الغربية .
فإذا كانت أمة مسلمة جعلت كل ذلك في نطاق هدي الكتاب والسنة ،
وأضافت اإليه أموراً مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
والمحافظة على الدين والدفاع عنه ،
وهكذا . إنه لا يلزم من موافقة الديمقراطية الليبرالية الغربية في بعض الجزئيات أن يأخذ الموافق سائر ما فيها ،
أو أن يتبنى فلسفتها ، أو يتسمى باسمها .
ثم إن ما في الديمقراطية من حسنات ليس خاصاً بها ولا مرتبطاً بها ، بل يمكن أن تخلو هي منه كما يمكن أن يوجد في غيرها ،
بل قد وجد الكثير منه حتى في حياة جاهليتها العربية ! لكن المجال الآن ليس مجال التوسع في هذا الأمر ) .
( مجلة البيان ، العدد 196 ).”