كتاب “أموال النبي”: ميزانية النبي قاربت (1217) كغ من الذهب
لم يَدُرْ بخَلَدي يوماً أن مالية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يمكن أن يفرَد لها كتاب يقع في (560) صحيفة، بعد أن يسلك سبيل البحث العلمي، ويجني دكتوراه محكَّمة بدرجة امتياز، معتمداً على القرآن الكريم والصحيحين..
يتصدر كتاب “أموال النبيّ” لمؤلفه الدكتور عبدالفتاح محمد السمّان كشفاً عن علم يسمى بـ “الاقتصاد النبوي”، ويختتَم بدراسة لميزانية النبي صلى الله عليه وسلم في كسبه، والذي قارب (1217) كغ من الذهب، وإنفاق تجاوزت قيمته (1251) كغ من الذهب، وتركة تتمثل في وقف خمسة عشر أرضاً، قيمة واحدة منها تزيد على 25كغ من الذهب!!
كل هذه الأرقام تم استخلاصها من نصوص وأدلة وشواهد ثابتة، كانت تنعم بدفء الكتب ذات الأوراق الصفراء على رفوف مكتبات العلماء زمناً طويلاً..
هذا وإن الأرقام لا تشكل أكثر من ميزانية لجزء من أمواله صلى الله عليه وسلم التي تمكن المؤلف من إحصائها وتقييمها بقيمة الذهب، ليقف أمام نصوص أخرى كثيرة لم يجد سبيلاً موثوقاً لتقييمها أو إحصاء قيمتها في زمن النبوة، تزيد من هذه الأرقام أضعافاً ربما!!
لقد وجد المؤلف في حياة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم طُرق كَسْبه، وطُرُق إنفاقه، وطُرق توريثه وأوقافه، فيتبيَّن له -وعلى حد قوله- “أنَّه صلى الله عليه وسلم كان ثريَّاً منفقاً ولم يكن زاهداً فقيراً فاقداً، وإنَّ آلاف الصَّفحات الَّتي يُمكن أن تُكتَب عن تعامله صلى الله عليه وسلم مع ماله الشَّخصيِّ (في الكسب، والإنفاق الخاصِّ، والإنفاق الاستراتيجي، إضافةً إلى الاستثمار لما بعد الوفاة) لم تكتب بعد.. وهذا الكتاب مجرَّد خطوطٍ عريضةٍ وعناوين رئيسةٍ في البحر الَّذي لم يُكتَشَف بعد، والذي يمكن أن يطلَق عليه اسم: (الاقتصاد النبوي)”.
بعد أن كان التَّصور العام يوحي بأنَّ الفقر كان مُلازماً له صلى الله عليه وسلم منذ النشأة مع اليُتم إلى الوفاة، حيث توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونةٌ عند يهوديٍّ كما أخرج الشَّيخان، يخرج البحث الجاد والمتجدد في السِّيرة النَّبويَّة الماليَّة ليوضح المفاهيم ويعيدها إلى مسارها الصَّحيح، فهو ليس جديداً بقدر ما هو إبرازٌ لحقيقةٍ غائبةٍ، (وهي ثراء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم) كما يقول مؤلفه.
قسَّم الكتاب المراحل الاقتصاديَّة في حياته صلى الله عليه وسلم إلى ثلاث مراحل: (الاصطفاء، الإيواء، الإغناء)، وذكر مصادر دخل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم والتي تمثلت بـ: (تكسُّبه صلى الله عليه وسلم من مزاولة التِّجارة، وميراثه صلى الله عليه وسلم من والديه ومن خديجة رضي الله عنها، والأنفال والغنائم، والفَيء، والصَّفيّ، والهدايا من الملوك والصَّحابة وغيرهم، وسهمه صلى الله عليه وسلم مجاهداً، وخصائصه صلى الله عليه وسلم في الرِّزق، وغير ذلك من مصادر لم يستخدمها صلى الله عليه وسلم).
ثم عرَّج بعد الإنفاق لبيان قواعد في إنفاق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وسبل إنفاقه صلى الله عليه وسلم على نفسه، وأزواجه، وأهل بيته ومَن يعولهم في بيته، ومواليه، وخدمه، وصحابته، وضيوفه، والمؤلَّفة قلوبهم، وعلى رد الهدايا للجميع، وعلى المشركين.
ثم صال وجال في حديث ثريٍّ عن تركته صلى الله عليه وسلم من الأراضي التي تركها صلى الله عليه وسلم وقفاً لأهله يأكلون من خيراتها، ولا يقتسمون أصولها، وهي: الأراضي السَّبعة التي أهداها مخيريق للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأرضه صلى الله عليه وسلم من أموال بني النَّضير، وحصون الكتيبة والوطيح والسلالم من حصون خيبر، والنِّصف من أرض فدك، والثُّلث من وادي القرى، وحاجاته الشَّخصية: السُّيوف، الدُّروع، القسي، الجعبة، النّبل، التُّروس، الرِّماح، المغافر، وغير ذلك.
لم يكن هذا ما في جعبة المؤلف وحسب، بل تميز الكتاب بنباهة التأليف، فلم يتجاوز ولم يُغفِل من قال بخلاف رأيه، بل وقف عندها ملياً، واستعان على ردها بأقوال وشهادات كثير من علماء الأمَّة الإسلاميَّة سلفاً وخلفاً والتي تثبت غنى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وخصّ منهم: الفقيه الأصوليَّ الإمام تقيَّ الدِّين السُّبكيّ، وولدَه الإمام الحافظ تاج الدِّين السُّبكيّ، والإمام النَّسفيّ، والإمام الحليمي، والإمام أبا الحسن ابن بطَّال، والإمام البيهقيّ، والحافظ أبا حاتم ابن حِبَّان صاحب الصَّحيح، وأبا سعيد البسطاميّ، والشيخ محمد الغزالي، والأستاذ الدكتور محمد الزحيلي والذي قدَّم للكتاب بمقدمة طويلة نسبياً، عكست حرقته على البحث، وغيرته على هذا المفهوم، وسعادته بهذا الفهم.
كما وناقش المؤلف الأحاديث الواردة في فقر النبي صلى الله عليه وسلم وغناه، وناقش صفة الزهد ونفاها عن شخص النبي صلى الله عليه وسلم، وختم بدراسة متميزة مجدولة لميزانية النبي صلى الله عليه وسلم كسباً وإنفاقاً وأوقافاً..
فعلاً.. لقد استطاع الكتاب تحرير إضافات قيمة في محاور رئيسة، كالعقيدة، والسيرة النبوية، والحديث الشريف، والفقه، والفكر الدعوي…، معتمداً في معظم ذلك على صحيح الأدلة وثابت السِّيَر.
ختم المؤلف بقوله: (وللأمانة، فأؤكد أنَّ الكتاب جديدٌ في فكرته وطريقة عرضه، ولكنَّه ليس جديداً في الدِّين أو السِّيرة، فالأحداث التي ذكرتها هي حقائقُ موجودةٌ ومنثورةٌ في الكتب، ولكن دخل عليها تَحريف بعض الغالين، أو تأويل المبطلين؛ إذ كان الَّذي ثبت لي بلا ريب ثراء النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فهو صلى الله عليه وسلم غنيٌّ، عزيزٌ، جوادٌ..، بأمر الله ورعايته، وكلُّ ما قدَّمه الكتاب: أَنْ أماط اللثام عمَّا خفيَ من سيرته صلى الله عليه وسلم العطرة، وجمَعَ ما تفرَّق منها..، وغاية القول: إنَّ الله أكرمني بأن نفضت الغبار عن تلٍّ من الذَّهب، بقي ردحاً من الزمن يُنظر إليه على أنَّه صلصال كالفخار).
.
-منقول