النحويون وتلحين القراء : دراسات لأسلوب القرآن الكريم : محمد عبدالخالق عضيمة
علام اعتمد النحويون في تلحين القراء؟
1 – كانوا يحتكمون إلى ما وضعوه من قواعد، وسنوه من قوانين:
منع البصريون من جواز هذه الأمور، فلحنوا ما جاء عليها من قراءات:
الفصل بين المضاف والمضاف إليه، العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الخافض، العطف على معمولي عاملين مختلفين،
إضافة مائة إلى الجمع، تسكين لام الأمر مع (ثم) إدغام الراء في اللام، والفاء في الياء، تسكين الحركة الإعرابية، اجتماع الساكنين على غير حده.
2 – وأحيانًا يخفى توجيه القراءة على بعض النحويين فيسارع إلى تلحينها.
أ- قراءة (هئت لك) بفتح التاء وكسر الهاء لم يعرف الفارسي لها وجها. فقال في كتابه «الحجة»: إنها وهم من القارئ.
ب- تشديد (لما) في قوله تعالى: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا} لم يعرف لها المبرد توجيهًا، فلحنها. البحر 5: 267.
ج- قراءة حمزة {إِلَّا أَنْ يَخَافَا} بالبناء للمفعول قال عنها الفراء: «ولا يعجبني ذلك» معاني القرآن 1: 145، البحر 8: 198.
د- قراءة سعيد بن جبير {إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم} لحنها أبو جعفر النحاس، القربي 4: 2778 – 2779.
هـ- قراءة معاذ بن جبل {وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} قال عنها أبو جعفر النحاس: هي لحن، المحتسب 2: 141، البحر 7: 462.
و- قراءة ابن كثير {إن قتلهم كان خطاء كبيرا} قال النحاس: لا أعرف لهذه القراءة وجها، وجعلها أبو حاتم غلطا. البحر 6: 32.
ز- قراءة ابن عامر {فبهداهم اقتده} بكسر الهاء ظنها ابن مجاهد هاء السكت، فغلط القراءة. البحر 4: 176.
ح- {ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا أنهم لا يعجزون} 8: 59. قرأ ابن عامر (أنهم) بفتح الهمزة.
فاستبعدها أبو عبيد وأبو حاتم. البحر 4: 510 وبالغيب قال في الكشاف 2: 132 «ليست بنيرة».
333 – وأحيانًا ينظر بعضهم إلى الشائع من اللغات، ويغفل عن غيره. ومن أمثلة ذلك:
أ- في (غدوة) لغتان ذكرهما سيويه 2: 48: اللغة الأولى: استعمالها معرفة، علم جنس؛ فلا تدخل عليها (أل)،
واللغة الثانية: استعمالها نكرة، فيجوز تعريفها، جاء على هذه اللغة قراءة ابن عامر: {يدعون ربهم بالغدوة} 6: 52، 18: 28. النشر 2: 258.
جهل أبو عبيد اللغة الثانية، فأساء الظن بابن عامر وقال: إنما قرأ تلك القراءة اتباعًا لخط المصحف،
وليس في إثبات الواو في الكتاب دليل على القراءة بها؛ لأنهم كتبوا الصلاة والزكاة بالواو، ولفظهما على تركها. البحر 4: 136.
ب- قراءة حمزة {وما أنتم بمصرخي} بكسر الياء المشددة قال عنها الأخفش وأبو حاتم: ليس ذلك من كلام العرب.
وهي لغة بني يربوع كما ذكرها الفراء في معاني القرآن.
ج- {يؤده إليك} تسكين هاء الغائب، واختلاس حركتها لغتان وجعل ذلك الفراء وهما من القراء. معاني القرآن 2: 57 – 76.
وجعله سيبويه والمبرد من الضرائر الشعرية.
د- {قالوا أرجه وأخاه} قرأ ابن عامر (أرجئه) بالهمز وكسر الهاء. الإتحاف: 227 – 228.
فقال الفارسي: هذا غلط، وقال ابن مجاهد: هذا لا يجوز. البحر 4: 360.
هـ- {حملته أمه كرها ورضعته كرها} 15: 16 قرأ (كرها) بفتح الكاف نافع وابن كثير وأبو عمرو، لغتان. الإتحاف: 391.
قال أبو حاتم: القراءة بفتح الكاف لا تحسن. البحر 8: 60.
و- {لم يظهروا على عورات النساء} 24: 31 قرأ الأعمش وابن أبي إسحاق (عوَرات) بفتح الواو على لغة هذيل،
فقال ابن مجاهد: هي لحن. ابن خالويه 103، البحر 4: 449.
444 – وفي بعض الأحيان يزعم بعضهم أنه أحصى أوزان العربية، فوجدها تخلو من بعض الأوزان، فيلحن ما جاء عليها من قراءات:
أ- أنكر الأخفش قراءة {فنظرة إلى ميسرة} 2: 280 لأنه ليس في الكلام (مفعل) بضم العين. المحتسب 1: 144، 145، المخصص 14: 196.
ب- {ولا يجرمكم شنآن قوم} 5: 2 أنكر أبو عبيد وأبو حاتم قراءة (شنآن) بتسكين النون؛
لأن المصادر إنما تأتي في مثل هذا متحركة، وهي قراءة ابن عامر. النشر 2: 23، القرطبي 3: 2043.
ج- {أن تأتيهم بغتة} 47: 18 قرأ أبو عمرو (بغتة) مثل جربة. وفي الكشاف 3: 456:
«وهي غريبة لم ترد في المصادر أختها، وهي مروية عن أبي عمرو، وما أخوفني أن تكون غلطة من الراوي على أبي عمرو».
د- {إذ أنتم بالعداوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى} 8: 42. قال الأخفش: لم يسمع من العرب إلا كسر عين (بالعدوة). البحر 4: 499.
5 – وهذا لون آخر من التلحين {ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام} 5: 2.
قطع أبو جعفر النحاس بأن هذه الآية نزلت عام الفتح سنة ثمان، والصد كان زمن الحديبية سنة ست.
فخطأ قراءة ابن كثير وأبي عمرو (إن صدوكم) بكسر الهمزة. النشر 2: 254، القرطبي 3: 2043، البحر 3: 422.
6 – لم يكتف النحويون بتلحين ما خالف قواعدهم، وإنما كان منهم تلحين لبعض القراءات المتواترة مع موافقتها لأقيستهم:
أ – {فقاتلوا أئمة الكفر} 9: 12.
قرئ في المتواتر (أيمة) بإبدال الهمزة الثانية ياء. غيث النفع 114 – 115، الإتحاف: 240 وهذه القراءة موافقة للقياس الصرفي.
في الكشاف 2: 142: «فأما التصريح بالياء فليس بقراءة، ولا يجوز أن تكون قراءة، ومنص رح بها فهو لاحن محرف».
وفي البحر 5: 15: «وكيف يكون ذلك لحنًا، وقد قرأ به رأس البصريين النحاة أبو عمرو، وقارئ مكة ابن كثير، وقارئ مدينة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم نافع».
ب- {لله الأمر من قبل ومن بعد} 30: 40.
حذف المضاف مع مراعاة لفه جائز وقرى به في (من قبل) وحكى الفراء أن ذلك لغة، معاني القرآن 2: 320.
وأنكر ذلك أبو جعفر النحاس وقال: للفراء في كتابه في القرآن أشياء كثيرة من الغلط. البحر 7: 162.
ج- {أمن هو قانت آناء الليل} 39: 9 قرأ ابن كثير ونافع وحمزة (أمن) بتخفيف الميم. النشر 2: 362، وضعفها الأخفش وأبو حاتم، البحر 7: 418.
نهاية المقال: النحويون وتلحين القراء
فهرس المقالات في هذا الموضوع : دراسات لأسلوب القرآن الكريم
وسوم :
#دراسات_لأسلوب_القرآن_الكريم
#محمد_عبدالخالق_عضيمة