الطريق إلى عز المسلمين عند الإمام الألباني
إعداد يزن الغانم أبو قتيبة
المقدمة :
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
فهذه رسالة مختصرة مستفادة من كلام الإمام العالم الرباني محدث الشام محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى.
وأذكر فيها معاني ما ذكره الشيخ في رؤيته السلفية لعز المسلمين،وكلامه في ذلك كثير ومعروف، ولكن في هذه الرسالة جمع شتات الكلام.
والله أسال أن ينفع بها.
أولاً : في بيان الداء والدواء
بين النبي صلى الله عليه وسلم، الداء والدواء في حديث جامع.
فقد روى أبو داود وغيره في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عُمَرَ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ ؛ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ).أبو داود وصححه الألباني (٣٤٦٢).
– الداء : (سلط الله عليكم ذلا)
الدواء: (لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم).
– وفي الحديث قد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم، على ذلك أمثلة ثلاثة.
الأول: ارتكاب الناس ما حرم الله تعالى
والثاني :تركهم أمر الله عز وجل
الثالث : ركونهم إلى هذه الدنيا.
ثانياً: التصفية:
وهو تصفية الإسلام مما دخل عليه وليس منه،كالشرك والبدعة والخرافة والأقوال والأعمال والعقائد المخترعة والأحاديث الموضوعة والضعيفة والباطلة،وهو الإسلام الصافي الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والقرون المفضلة رضي الله عنهم.
ثالثاً: التربية:
وهو تربية الأجيال على ما ذكرنا من الإسلام المصفى، على التوحيد والسنة وعلى ما كان عليه سلف الأمة.
-والتصفية والتربية تكون في آن واحد.
رابعاً: شمولية التصفية والتربية:
وتكون التصفية والتربية لتشمل كل أبواب الدين من التوحيد والسنة والأخلاق والسلوك وفي شتى مناحي الحياة، وهذا هو معنى الشمولية.
قال تعالى :{یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱدۡخُلُوا۟ فِی ٱلسِّلۡمِ كَاۤفَّةࣰ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَ ٰتِ ٱلشَّیۡطَـٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوࣱّ مُّبِینࣱ}
[سورة البقرة ٢٠٨].
قال العلامة السعدي في تفسيره على هذه الآية: هذا أمر من الله تعالى للمؤمنين أن يدخلوا في السلم كافة أي في جميع شرائع الدين ولا يتركوا منها شيئاً وأن لا يكونوا ممن اتخذ إلههُ هواه إن وافق الأمر المشروع هواه فعله وإن خالفه تركه بل الواجب أن يكون الهوى تبعاً للدين وأن يفعل كل ما يقدر عليه من أفعال الخير…”
وهذه الشمولية لا تجدها عند الكثير ممن لا يهتم بالدعوة إلى التوحيد والسنة،وتصحيح العبادة وإقامة السنن من القشور عندهم نعوذ بالله من الخذلان والضلال.
خامساً:التصفية والتربية مسؤولية الجميع
ينبغي أن يعلم أن التصفية والتربية مسؤولية الجميع كل حسب استطاعته.
الرجل في بيته العالم في مسجده المربي في درسه وهكذا هي مسؤولية جميع الناس كل على حسبه.
والتربية على العقيدة الصحيحة وإحياء السنن والأخلاق الحميدة إلى غير ذلك من الإسلام.
سادساً: ثمرة التصفية والتربية
ثمرة ذلك،في قوله تعالى:
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.[النور:٥٥].
قال العلامة السعدي في تفسيره على الآية:
فقام صدر هذه الأمة، من الإيمان والعمل الصالح بما يفوقون على غيرهم، فمكنهم من البلاد والعباد، وفتحت مشارق الأرض ومغاربها، وحصل الأمن التام والتمكين التام، فهذا من آيات الله العجيبة الباهرة، ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة، مهما قاموا بالإيمان والعمل الصالح، فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله، وإنما يسلط عليهم الكفار والمنافقين، ويديلهم في بعض الأحيان، بسبب إخلال المسلمين بالإيمان والعمل الصالح.
قال العلامة الألباني رحمه الله تعالى : عندما يقوم المؤمنون بالتصفية والتربية فيومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.(شريط ٧٨٨ سلسلة الهدى والنور).
أخيراً:كلمات وحكم في الدلالة على هذا المنهج :
– ذكر الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).[سورة اﻷنعام١٢٩ ]
قال ابن عباس رضي الله عنه : إذا رضي الله عن قوم ولى أمرهم خيارهم، إذا سخط الله على قوم ولى أمرهم شرارهم.
الجامع لأحكام القرآن ( ٨٥/٧).
– يقول العلامة الرازي رحمه الله تعالى: «الرعية متى كانوا ظالمين، فالله تعالى يسلط عليهم ظالماً مثلهم فإن أرادوا أن يتخلصوا من ذلك الأمير الظالم فليتركوا الظلم» التفسير الكبير (١٥٠/١٣).
– قال الله تعالى :{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۗ }[سورة الرعد ١١].
قال العلامة السعدي: إذا غير العباد ما بأنفسهم من المعصية، فانتقلوا إلى طاعة الله، غير الله عليهم ما كانوا فيه من الشقاء إلى الخير والسرور والغبطة
والرحمة.
– قال العلامة الأديب الطنطاوي رحمه الله تعالى: ﻟﻴﻌﻤﺪ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﺮﺗﻪ ﻓﻴﺤﺎﻭﻝ ﺇﺻﻼﺣﻬﺎ ، ﻓﺈﻥ ﺍﻷﻣﺔ ﻫﻲ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺃﺳﺮ ، ﻓﺈﺫﺍ ﺻﻠﺤﺖ ﺍﻷﺳﺮ ﺻﻠﺤﺖ ﺍﻷﻣﺔ . ذكريات (٥/٦).
– قال الإمام الألباني رحمه الله تعالى : أعجبتني كلمة لبعض المصلحين،وهي في
رأيي كأنها من وحي السماء؛ يقول: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم، تقم لكم في أرضكم. التصفية والتربية وحاجة المسلمين إليهما (ص ،٣٣).
– قال شيخ قراء مصر المعصراوي حفظه الله تعالى:
ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ :
ﺃﻳﻦ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ؟ !
ﻭ ﺃﻧﺎ ﺃﻗﻮﻝ :
ﺃﻳﻦ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺑﺎﻟﺪِّﻳﻦ ؟ !
ﻳﺮﻳﺪﻭﻥ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻓﻲ ﺍﻷﻗﺼﻰ !
ﻭ ﺭﻛﻌﺔ ﻓﻲ ﻣﺴﺠﺪ ﻗﺮﺏ ﺑﻴﺘﻬﻢ
ﻫﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ أقصى! .
– وقال أحد الدعاة أﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻼمة ﺍﻟﻬﻘﺺ:
ﺳﺮ ﺍﻧﺘﻈﺎﻡ ﺻﻔﻮﻑ ﺍﻟﻤﺼﻠﻴﻦ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﺩﻭﻥ ﻓﻮﺿﻰ ﻫﻮ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ، ﻳﺒﺪﺃ ﺑﻨﻔﺴﻪ . ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻫﺎﺋﻞ ﺧﻼﻝ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﻟﻮ ﻃﺒﻘﻨﺎ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺍﺑﺪﺃ ﺑﻨﻔﺴﻚ ﺳﻴﺘﻐﻴﺮ ﻭﺍﻗﻌﻨﺎ ﺣﺘﻤﺎً.
– يقول ابن مفلح رحمه الله تعالى: من عجيب ما نقدت من أحوال الناس كثرة ما ناحوا على خراب الديار، وموت الأقارب والأسلاف، والتحسر على الأرزاق بذم الزمان وأهله وذكر نكد العيش فيه، وقد رأوا من انهدام الإسلام، وشعث الأديان، وموت السنن، وظهور البدع، وارتكاب المعاصي وتقضي العمر في الفارغ الذي لا يجدي، والقبيح الذي يوبق ويؤذي، فلا أجد منهم من ناح على دينه، ولا بكى على فارط عمره، ولا آسى على فائت دهره وما أرى لذلك سبباً إلا قلة مبالاتهم بالأديان وعظم الدنيا في عيونهم ضد ما كان عليه السلف الصالح يرضون بالبلاغ وينوحون على الدين. الآداب الشرعية لابن مفلح. (٣٤٥/٢).
– قال أبو العتاهية :
ترجو النجاه ولم تسلك مسالكها
إن السفينة لا تجري على اليبس.
اللهم ارزقنا توبة نصوحاً ومغفرة من عندك ترفع بها مصائبنا في الدنيا وتدفع بها عنا عذابك يوم تبعث عبادك، والحمد لله رب العالمين ،وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. -يزن الغانم أبو قتيبة