خُلق التغاضي والتغافل للكاتب يزن الغانم، خلق عظيم من أخلاق الكرام، وخُلق التغاضي هو التغافل وهو إظهارك الغفلة عن عيب أو نقص مع علمك به وإطلاعكَ عليه تفضلاً على المتغافل عنه وترفعاً عن صغائر الأمور وتوافهها
خلق التغاضي والتغافل
إعداد يزن الغانم أبو قتيبة
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد :
فإن خلق التغاضي خلق عظيم من أخلاق الكرام، وخُلق التغاضي هو التغافل وهو إظهارك الغفلة عن عيب أو نقص مع علمك به وإطلاعكَ عليه تفضلاً على المتغافل عنه وترفعاً عن صغائر الأمور وتوافهها، وليبقى حبل المودة.
وكثير من المشكلات التي تحصل بين الأفراد سواء الأزواج أو الإخوة أو الأصدقاء أوالأقارب أو مع الأولاد نشأت من التدقيق والتركيز في الأمور والأشياء الغير مهمة .
ولا بد من التنبه لأمر مهم، وهو أن التغافل والتغاضي لا يكون في حقوق الله وحدوده من الواجبات والمحرمات والأوامر والنواهي الشرعية، إنما يكون في أمور الحياة التي قد يحدث فيها العجز والكسل والنقص والتقصير والخلل،
كما أن التغافل والحث عليه والترغيب فيه لا يعني ترك النصيحة والتنبيه عند حدوث المخالفات الشرعية، فهذه ليست محلاً للتغافل أو التقصير،
فقد ذمَّ الله سبحانه بني إسرائيل ولعنهم وعاقبهم بتركهم التناهي عن المعاصي وبها كان هلاكهم، فقال سبحانه:
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ* كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [٧٩،٧٨ سورة المائدة].
وضرب لنا القرآن الكريم أروع الأمثلة عن هذا الخُلق الرفيع متمثلاً في حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث قال تعالى:
{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}.[سورة التحريم ٣].
قال العلامة السعدي في تفسير الآية:
قال كثير من المفسرين: هي حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، أسر لها النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا، وأمر أن لا تخبر به أحدًا، فحدثت به عائشة رضي الله عنهما، وأخبره الله بذلك الخبر الذي أذاعته، فعرفها صلى الله عليه وسلم، ببعض ما قالت، وأعرض عن بعضه، كرمًا منه صلى الله عليه وسلم، وحلمًا.
وإليك بعض ما قيل في خُلق التغاضي . روى البيهقي عن عثمان بن زائدة، يقول: العافية عشرة أجزاء، تسعة منها في التغافل، قال: فحدثت به أحمد بن حنبل، فقال: العافية عشرة أجزاء، كلها في التغافل.شعب الإيمان(٥٧٥/١٠).
وعن الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي، يقول: اللبيب العاقل هو الفطن المتغافل.حيلة الأولياء (١٢٣/٩).
وقال الأعمش:التغافل يطفئ شراً كثيراً. الآداب الشرعية(١٠١/٢).
وقال سفيان: ما زال التغافل من فعل الكرام. البحر المحيط لابن حيان(٢١٠/١٠).
قال عمر بن عثمان المكي المروءة التغافل عن زلل الاخوان. صفة الصفوة (٥٣١/١).
وقال بعض الحكماء: وجدت أكثر أمور الدنيا لا تجوز إلا بالتغافل. أدب الدين والدنيا للماوردي(ص،١٨٠).
وقال أبو تمام :
لَيْسَ الغَبِيُّ بِسَيد في قَوْمِه ِ
لكنَّ سيِّد قومهِ المُتغابي.
ويقال : مايزال التغافل عن الزلات من أرقى شيم الكرام ،فإن الناس مجبولون على الزلات و الأخطاء، فإن أهتم المرء بكل زلة وخطيئة، تعب وأتعب غيره ،والعاقل الذكي من لا يدقق في كل صغيرة وكبيرة مع أهله وأحبابه وأصحابه وجيرانه.
والتغابي والتغافل عن الأخطاء علامة من علامات رجحان العقل وحسن الخُلق،
فالكيس العاقل هو الفطن المتغافل عن الزلات، وسقطات اللسان إذا لم يترتب على ذلك مفاسد، والله المستعان.
والحمد لله وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.