أربعون يوماً … أدركت التكبيرة الأولى مقال يحكي تجربة شخصية للمحافظة على صلاة الجماعة لمدة أربعين يوماً مع بيان أهمية التبكير إلى الصلاة وإدراك التكبيرة الأولى
أربعون يوماً … أدركت التكبيرة الأولى
قبل القصة سأحدثكم عن مهاجر سوري الجنسية يعمل في الميكانيكا، رجل من عوام الناس اقترب من الستين، حليق اللحية.
لكنه منحني موعظة لم أجدها عند كبار الدعاة،
حدثوني عنه قبل أن أعرفه وجاءني يوماً لإنجاز معاملة في التعليم تخص أحد أبناءه فخُيّل إليّ أن في وجهه مسحة أهل الجنة.
كان هذا الرجل إذا سمع الأذان ترك كل شئ وقام للوضوء ثم اتجه إلى المسجد مبكراً.
وقد عانى في سبيل ذلك كثيراً، الطعن والتشكيك والاتهام بالنفاق وتعطيل مصالح الناس، والهروب من العمل.
لكن كل ذلك لم يكن ليثنيه عن صلاته
كأني به يقف بين يدي الله عز وجل للحساب فيقول يارب إني كنت إذا سمعت المنادي ينادي بحي على الصلاة لم يشغلني عن الصلاة مال ولا ولد،
تركت كل شئ واتجهت إليك، فأدخلني يا رب الجنة، برحمتك وكرمك.
ربما كان هذا الرجل ملهماً لي في رحلتي مع تكبيرة الإحرام أربعين يوماً والتي بلغت نهايتها عشاء اليوم.
كانت صلاة العشاء اليوم السبت ٤ يناير مختلفة بالنسبة لي،
في هذه الصلاة أتممت أربعين يوماً مدركاً التكبيرة الأولى ولله الحمد
ولست أخشى الرياء والنفاق ، فعندي براءة منه بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي رواه أنس بن مالك أنه صلى الله عليه وسلم قال :
من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق
رواه الترمذي والإمام أحمد. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
ومع ذلك سأكتب بدون ذكر الاسم ليبقى الكاتب مجهولاً ولتبقى التجربة معلومة.
بداية التحدي
كم هو جميل أن تقبل التحدي مع نفسك، وترغمها على الانضباط في أهم أعمال العبد، ألا وهي الصلاة.
ومثل أغلب المصلين كنت لا أدخل إلى المسجد إلا بعد الإقامة، وربما تفوتني الركعتين والثلاث. حتى أنني أصبحت مشهوراً في صفوف المسبوقين في صلاة الجماعة
وأقول مثل أغلب المصلين لأننا نحن معاشر المسبوقين في صلاة الجماعة نمثل الأغلبية،
فلا يكاد الصف الأول يخلو من قيام بضعة نفر لإكمال مافاتهم ويقوم الصف الثاني والثالث بجملته بعد تسليم الإمام
وأذكر مرة أنني أدركت الجماعة كاملةً ولم تفتني ركعة، فلما سلم الإمام قمت لأتم الركعات الفائتة باعتبار العادة
وفوجئت بأن المصلين عن يميني وشمالي لم يقم منهم أحد وقد سلموا مع الإمام، فتذكرت أنني هذه المرة لست مسبوقاً بشئ وأدركت خطأي وجلست
ويا للخجل ويا للحرج، ليس من الناس، فغاية ما سيقولون أنني موسوس، ولكن من رب الناس عز وجل
لقد كان التأخير عن الصلاة وفوات تكبيرة الإحرام مشكلة كبيرة عانيت منها، نتجت عن الفوضى الغالبة على كثير من السلوكيات في حياتي
والشيطان يبدأ مع المسلم بالتأخير عن الصلاة حتى تصبح عادة مستحكمة.
ثم ينتقل به إلى مرحلة فوات صلاة الجماعة وأداءها منفرداً في المسجد أو في جماعة أخرى
ثم بأدائها في المنزل
ثم بتأخيرها حتى خروج وقتها
ثم بتركها بالكلية…
حتى تصبح الصلاة أثقل على العبد من حمل الجبال الرواسي
ولذلك ليس للمسلم خلاص من خطر الوقوع في مصائد الشيطان إلا بإرغام النفس على الانضباط في أوقات الصلاة والتبكير في أدائها
وحينما بلغني هذا الحديث تأملت فيه ملياً، وعجبت من عظم الفضائل المترتبة على هذا العمل بشروط يسيرة
١-الصلاة لله (بإخلاص)
٢-أربعين يوما
٣-في جماعة
٤-يدرك التكبيرة الأولى
الجائزة عظيمة، مقابل هذا الفعل اليسير على من يسره الله له
١-براءة من النار
٢-براءة من النفاق
ياله من عقد رابح، وكنز عظيم
عزمت على أن أدخل هذا التحدي، وأن أنال هذه الفضيلة بإذن الله
البداية
يوم ٢٦ نوفمبر كان هو اليوم الأول للصعود، والخطوة الأولى في هذه الرحلة
وطريق الألف ميل يبدأ بخطوة كما يقولون،
خمسة أيام من شهر نوفمبر
وواحد وثلاثون يوماً من شهر ديسمبر
وأربعة أيام من شهر يناير، هكذا هي كانت رحلتي
وقد فاتني تدوين يومياتي في هذه الفترة وخلال هذه الرحلة، لكنني سأكتب ما بقى في ذهني من الذاكرة
خلال هذه الأيام الأربعين كان عليّ أن أتوقع كل حيلة مفاجئة من حيل إبليس وأستعد لها.
وقد كان إبليس قريباً لكن الله عز وجل بفضله رد كيده وصرفه عني إلى الوسوسة والكوابيس والأحلام المزعجة فحسب.
– ست إلى سبع مرات خلال رحلة الأربعين يوماً مع تكبيرة الإحرام، يخيل إلى في المنام أنني تأخرت عن الصلاة حتى فاتتني التكبيرة الأولى أو فاتتني الصلاة بالكلية
فأقوم مفزوعاً مضطرباً لأتبين بعدها أنه حلم من وسوسة الشيطان
فأحمد الله عز وجل أن الأمر ليس حقيقة، وأعود للنوم بعد التحصن بالأذكار
– التحدي الأكبر كان في صلاة الفجر، ورغم أن الوقت بين الأذان والإقامة في صلاة الفجر هو الأطول
إلا أنه كان يجب عليّ الاستيقاظ قبل الأذان بعشر دقائق لأضمن الوصول المبكر وإدراك التكبيرة الأولى.
– أخطر ما مر بي خلال هذه الفترة، استيقظت مرةً متأخراً لدرجة أن المسجد القريب أقام للصلاة وأنا مازلت في المنزل لم أتوضأ بعد،
فتوضأت وانطلقت بالسيارة إلى مسجد بالحي المجاور وهو مسجد جامع، لتكون المفاجأة بتأخر الإقامة في ذلك المسجد وكأنهم بانتظاري
لقد تغيب الإمام والمؤذن في ذلك اليوم ويبدو بغير تنسيق فاضطر الإمام الاحتياطي إلى تأخير الإقامة وإعطاء مزيد من الوقت لحضور أحدهما، لكن لم يحضر،
ولم يشعر أحد من المصلين أنني أنا هو المستفيد الأكبر من هذا التأخير
– من المواقف المثيرة كذلك أنني خرجت يوماً لصلاة الظهر ماشياً وكان الوقت مبكراً فاتجهت إلى المسجد الأبعد،
لتحقيق الأجر في المشي وكذلك لزيادة معدل الحركة والمشي. ومقدراً أن الوقت يكفيني للوصول قبل الإقامة بوقت كافٍ.
لكن المسجد الذي اتجهت له كان يقيم قبل بقية المساجد بخمس دقائق، لقد كان بيني وبين فوات الإقامة والتكبيرة الأولى بضعة ثوان، لكن الله سلم
– كل يوم أقترب فيه من الهدف – وهو اليوم رقم أربعين – تزداد الهمة والعزيمة، ويزداد فيه الخوف والقلق من انكسار البناء،
لدرجة أنني في آخر يومين كنت استيقظ من النوم خمس مرات خوفاً من فوات صلاة الفجر، وأنام غفوات متقطعة وعيني على الساعة المنبهة، وأذني تتحسس كل إشارة وصوت
– من فوائد هذا الانضباط دقة النوم والاستيقاظ، لقد أصبح نومي ملزم بجدول يتراوح مابين التاسعة والنصف والعاشرة والنصف والاستيقاظ قبل أذان الفجر بعشر دقائق في غالب الأيام
– من مخاطر خسارة هذا التحدي هو النوم في النهار قبيل الصلوات، وتضطر إلى ذلك مع ضغوط العمل والإرهاق اليومي الذي يصيبك،
وكنت خلال هذا الفترة أضبط منبه الساعة واتخذ الأسباب الكافية للاستيقاظ قبل الأذان،
لقد أعطتني هذه الفترة أيضاً مهارة النوم والاسترخاء في فترات زمنية قصيرة تتراوح ما بين ٢٥ إلى ٤٥ دقيقة ، وكنت قبل ذلك لا أجيدها.
– يجب عليك إذا قررت أن تخوض هذه التجربة أن تعد العدة وتتخذ الأسباب المعينة، والتكنولوجيا اليوم تخدمك.
استخدم برامج أوقات الصلاة وكذلك أضبط إعدادات المنبه في جهاز الهاتف المحمول، واستخدم ساعة الفجر وأمثالها
وأفضل شيء خدمني بعد توفيق الله في هذا الأمر هو ساعة اليد الذكية،
الساعة الذكية هي أفضل منبه إذا ضبطت إعدادات الاهتزاز وربطت التنبيه بمؤقت الساعة في الجوال، توقظك بالاهتزاز ولو كان جهازك على وضع الصامت
– قد يصادف أن يدخل وقت الصلاة دون أن تشعر وأنت في مشوار عمل طويل أوتضطر أن تتنقل بسيارتك لفترة طويلة من الوقت فلا تتنبه لدخول وقت الصلاة،
وقد حدثت معي مرة واحدة خلال رحلة الأربعين يوماً وأدركت التكبيرة الأولى في وقت ضيق، كانت من المرات الخطرة التي أنجاني الله منها
– في اليوم التاسع والثلاثون وكان يوم جمعة، طلبت الزوجة والأبناء أن نخرج في رحلة إلى البر، فنسيت مشروعي ووجهتهم إلى الاستعداد وخرجت لصلاة الجمعة،
وتحدث خطيب الجمعة عن آداب الخروج إلى المنتزهات البرية وأحكامها وجواز القصر والجمع لمن كان في مسافة سفر وإلى آخره
لكن هيهات، وعلى العين والرأس كل الأحكام الشرعية لكني في رحلة أريد إتمامها،
ألغيت الخروج وكان لتفهم الأسرة وتشجيعهم دور معين لي في هذا العمل
– حتى وإن كان لك معين من الأهل في هذا المشروع لا تعتمد على أحد بشكلٍ كلي،
اعتمد على نفسك في المقام الأول واجعل الوصايا والاستعانة بأحد أفراد الأسرة في تذكيرك بالصلاة وإيقاظك لها عن نومك في المقام الثاني.
– هناك فضائل تأتي تبعاً لللتبكير إلى الصلاة وإدراك تكبيرة الإحرام،
الصف الأول فضيلة، والسنة الراتبة القبلية فضيلة، وقراءة القرآن قبل الإقامة فضيلة، وتحية المسجد بركعتين فضيلة.
هذه كلها جوائز ربانية تأتيك تبعاً لخروجك إلى الصلاة مبكراً تضاف إلى رصيد أعمالك، ووزن يضاف إلى كفة عملك الصالح
– ليكن اليوم التالي لرحلة الأربعين يوماً هو يوم البداية لا النهاية، فقد أرغمت إبليس
وأصبح خروجك إلى الصلاة مبكراً عادة من عاداتك المستحكمة،
ومكانك في الصف الأول محجوزاً باسمك، فحافظ على ذلك،
وعليك بتطوير وتحسين هذه العادة بحسن تنظيم هذا الوقت الذي جعلته لله،
وذلك بالالتزام بقراءة وردك من القرآن، وإكمال ختمة أو ختمتين كل شهر. ونحو ذلك
– إن تحقيق الأرقام القياسية نزعة لدى البشر، فاجعل رقمك القياسي في عمل من أعمال الآخرة،
لا صعود قمة جبل ولا المرور من فوق بركان ثائر ولا جمع أربعمائة ألف نحلة سامة فوق جسمك العاري تفيدك بشئ.
– وأخيراً أسأل الله لي ولكم التوفيق والهدى والسداد وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم،
وجزى الله خيراً من نشر هذه التجربة لتكون محفزاً لغيرنا من المسلمين لتنالهم رحمة الله عز وجل
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين