كورونا بين إدارة الأزمة والحرب النفسية وتحديات التاريخ 2\2 مقال للكاتب فؤاد الكنجي ، هناك تحولات – لا محال – ستعقب مثل هكذا أزمات خطيرة التي تضرب المجتمعات البشرية وتهدد مصير وجودهم، فـ(التاريخ) يطلعنا بان البشرية فوجعت بالأوبئة وحروب واستطاعت تجاوزها؛
كورونا بين إدارة الأزمة والحرب النفسية وتحديات التاريخ 2\2
فواد الكنجي
ومن هنا نقول ومن خلال دراسة (حركة التاريخ) عبر كل مراحله؛
نجد بان هناك تحولات – لا محال – ستعقب مثل هكذا أزمات خطيرة التي تضرب المجتمعات البشرية وتهدد مصير وجودهم، فـ(التاريخ) يطلعنا بان البشرية فوجعت بالأوبئة وحروب واستطاعت تجاوزها؛
ولكن ترتب عنها أثار سلبية عانت منها لعقود من الزمن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وهذه الأزمات كانت دوما سببا لإحداث تسارع في (حركة التاريخ) سواء على مستوى: –
أولا.. تغيير موازين القوى.
ثانيا.. تغيير النظم السياسية والاقتصادية والسياسية.
ثالثا.. تغيير سلوك الفرد من حيث الفكر و المعتقد.
فلو أخذنا وقائع التاريخ منذ دخول البشرية العصر (الميلادي) نجد في عام ( 541 – 750 م) اجتاح العالم أول وباء (الطاعون) عرفته البشرية،
واثر تفشيه احدث تغييرات مهمة في طبيعة الواقع الإنسان آنذاك بما حصد من أرواح عدد هائل من المجتمعات البشرية في الدولة (البيزنطية) و(الساسانية) وكان لتفشي وباء (الطاعون) سببا رئيسيا لانهيار كلتا الإمبراطوريتين والمنظومة الأخلاقية الدينية لكل منهما؛
والتي كانت سائدة في عصرهما اللتان كانتا لهم شان كبير في العالم آنذاك .
وضمن وقائع حركة التاريخ نقرأ أيضا؛ في أعوام ما بين عام (1346 – 1351م) يعود وباء (الطاعون) ليفتك بالبشرية مجددا، لتؤرخ لنا الأحداث بان هذا الوباء حصد أرواح (ربع سكان الأرض) وكان لسكان الدول (الأوربية) حصتها الأكبر من الوفيات بهذا الوباء، ولم تستطع البشرية تعويض هذا النقص إلا بعد فترة تجاوزت قرنين من الزمان، ومن جملة ما افرزه تفشي هذا الوباء في (أوربا) من تغيرات مجتمعية؛
هو انهيار عصور الظلام والنظام الإقطاعي و دور الكنيسة وسطوتها على المجتمعات الأوربية؛
وبدأ عصر الانفتاح نحو الفكر والفلسفة والأدب والفن والعلوم والازدهار الاجتماعي والاقتصادي؛
وأخذت تزدهر قيم العدل والحرية والمساواة لتكن مرحلة التي عقبت تفشي وباء (الطاعون) مرحلة انطلاق أوربا نحو (عصر النهضة) .
وفي مطلع عام (1500 ولغاية 1700 م) أي في القرن الخامس عشر ولغاية القرن الثامن عشر، تفشى وباء (الجدري) في مختلف أرجاء العالم وفي حقب زمنية مختلفة وحصد نحو (ثلاثمائة مليون إلى خمسمائة مليون) إنسان لحين إن تم اكتشاف لقاح ضد وباء (الجدري) فانخفضت الإصابات تدريجيا وسجلت آخر حالة لهذا الوباء عام ( 1977) .
ومنذ بداية عام (1817 – 1823 م) تفشى وباء (الكوليرا) الذي حصد أرواح ملايين البشر حول العالم؛
لحين إن تم إيجاد لقاح لهذا الوباء عام (1885 م ) ومع ذلك ما زال وباء (الكوليرا) ينتشر بين حين وأخر في بلدان عدة من العالم .
وفي عصر الحديث وفي مطلع (القرن العشرين) وتحديدا في أواخر (الحرب العالمية الأولى) اجتاح العالم وباء (الأنفلونزا الإسبانية) وتحديدا للفترة ( 1918 – 1919م) ليحصد أرواح ملاين البشر ليضيف لمعانات إضعاف معانات وويلات الحرب، علما بان هذا الوباء لم يظهر في (إسبانيا) رغم تسميته باسمها؛
لان الرقابة العسكرية – آنذاك – كانت تمنع الصحافة من نشر أي تقارير تتحدث عن انتشار الوباء لعدم إحباط الروح المعنوية للجنود، ولكن الصحافة (الاسبانية) تجرأت وكانت سباقة في نشر إخبار تفشي هذا الوباء في إنحاء (أوربا) ولذلك سميت باسمها، وقد حصد وباء ( الأنفلونزا الإسبانية) أرواح أبرياء تجاوز عددهم عن (خمسين مليون) إنسان حول العالم؛
وأصاب نحو (نصف مليار إنسان) ومما ساعد في انتشار هذا الوباء في العالم هو عودة الجنود المصابين بالوباء من الحرب إلى ديارهم، وكان لتفشي ( الأنفلونزا الإسبانية) سببا رئيسيا لظهور (الشيوعية) و(الفكر الاشتراكي) الذي غير كثير من مفاهيم المجتمعية بما عزز نمو الاقتصاد وخدمة الإنسان .
ثم ظهر نوع أخر من وباء (أنفلونزا) للفترة ما بين عام (1968 – 1970) عرف باسم (أنفلونزا هونع كونغ) لم يكن قاتلا مثل (الأنفلونزا الإسبانية) عام (1918م)، بقدر ما كان الفيروس معديا؛
حيث أصيب بحدود (خمسمائة ألف) إنسان في غضون أسبوعين .
ومن ثم ظهر وباء (المتلازم التنفسية الحادة ) ما بين عام (2002 – 2003م) .
وفي ثم ظهر وباء (أنفلونزا الخنازير) للفترة ما بين عام (2009 – 2010م)، في (المكسيك) و(أمريكا) حيث ظهر أول مرة بين مزارعين (مكسيكيين) وفي مزارع لتربية (الخنازير) بعد حدوث طفرة جينية للفيروس مكنته من الانتقال من (الخنازير) إلى الإنسان،
وبعده أعلن بأن الوباء أصبح جائحة بعد تفشيه في العديد من الدول العالم وأودت بحياة ما يزيد عن (مائتان ألف) إنسان .
وبعدها ظهر وباء (إيبولا) ما بين عام (2014 – 2016م) وتفشى الوباء في عديد من الدول (الإفريقية) وأودت بحياة (إحدى عشر إلف) إنسان .
وفي عام (2002م) ظهر وباء (الالتهاب الرئوي اللانمطي الحاد – سارس) في (الصين) بمدينتها الجنوبية (فوشان – غوانجدونغ) وأصاب هذا الوباء أكثر من (ثمانية آلاف) إنسان وتسبب في وفاة ما يزيد عن (ثمانمائة) شخصا في العالم؛
ولكن بعد مرور عام من تفشي الوباء القاتل أعلنت منظمة الصحة العالمية بأن فيروس (سارس) تم احتواءه .
ومن خلال كل قراءات لـ(حركة التاريخ) في أزمنة – إثناء وما بعد تفشي الأوبئة – تحدث تغيرات إستراتيجية في منظومة النظام الدولي القائم في تلك المراحل؛
وعلى كل الأصعدة السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية، وتزداد وتيرة الصراعات بين الدول من اجل توسيع دائرة النفوذ وبسط الهيمنة وفق (إيديولوجيا قذرة) لكل دولة للهيمنة على الأخرى ومن اجل الاستحواذ على مصادر الطاقة والاقتصاد والرأسمال؛
وهكذا توظف كل قدرات المستعمر أو المهيمن في خدمة ايدولوجيا خاصة وفق اندفاع التنافس والاستعمار والهيمنة على مقدرات الشعوب الضعيفة .
ومن هنا فان أبشع ما ستفرزه هذه (الجائحة كورونا – كوفيد 19 ) هو رسم خارطة لنهاية مرحلة من (حركة تاريخ) ليبدأ (التاريخ) حركته لمرحلة أخرى بسحق (الفكر الليبرالي) و(منظومة العولمة) و (الرأسمالية) واندفا العالم نحو إيجاد أقطاب متعددة ليتنافسوا للهيمنة على العالم بقيادة متعددة الأقطاب وبوتيرة مختلفة، ومن ابرز هذه الأقطاب التي ستظهر؛
قطب (الاتحاد الأوروبي – بأجنحته لمتعددة ) و( الصين) و(أمريكا) و(روسيا) و(كوريا) و(اليابان)،
ومن ابرز مظاهر التي ستطفو على السطح هو ظهور (المد القومي) و(العنصرية) التي بدأت أولى ملامحها تظهر أثناء انتشار (الجائحة – كورونا) بين دول (الاتحاد الأوربي) التي طفرت وقفزت من فوق قواعد (الاتحاد الأوربي) وسارعت كل دولة بقرار فردي ذو طابع (قومي) بإغلاق الحدود وعدم المبادرة بمساعدة الشركاء في (الاتحاد الأوربي) التي تفاقمت فيها هذه الأزمة،
وكل دول الأعضاء عززت مواقفها بالانكفاء على (الذات القومي)، الأمر الذي سيدفع لمواقفهم إلى مزيد من تفكك ومن الكراهية باتجاه الأخر وتحديدا الأجانب وعلى الأقليات و اللاجئين .
لان الأزمة التي ستفرزها جائحة (كورونا) بما أعقبها أو سيعقبها نتيجة إغلاق المصانع ولفترة غير محدودة والذي أدى إلى تراجع توقعات النمو و ركود اقتصادي وكساد الأسواق وبورصات المال وعدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل؛
سيسرع من رسم نهاية لـ(حركة تاريخ الحديث) و لكثير من معطيات التي ستستحدث في منظومة الفكر وايدولوجيا؛
ولا سيما إذا طال أمد الأزمة جائحة (كورونا)، في وقت الذي كل المؤشرات توحي بأن الأزمة لا تزال في بداياتها،
وكلما طال أمد ألازمة فان ذلك لن يكون لصالح معظم دول الصناعية المتطورة بقدر ما يكون لصالح ( الصين) التي اقتصادها ما زال صامد، لان الوباء فيها تم محاصرته في مدينة واحدة وهي (ووهان) وهذا ما سيمنحها أسبقية لاستئناف الإنتاج في مصانعها التي تتواجد في المدن (الصينية) الأخرى،
وهو ما يمنحها وبدون إي تردد في استخدام اقتصادها في الحرب على الآخرين وإلى أبعد حدود، علما بأنه منذ أمد ليس بالقصر وضعت (الصين) إستراتيجية أمنية صارمة لحماية اقتصادها؛
لأنها كانت متيقنة بان (أمريكا) لن تقف مكتوفة الأيدي إمام أي تدهور يشهدها اقتصادها لحجم إمكانياتها العسكرية ولحجم استثماراتها في (الصين) ولذا سعت (الصين) إلى تطوير منظومتها العسكرية بشكل يجعلها تصد أي احتمال لغزوها أو لضرب مصانعها أو لاستهداف مصالحها الاستثمارية في دول (أسيا) و(إفريقيا) و(أوربا) و(أمريكا اللاتينية) و(استراليا) لتأثير على نموها الاقتصادي، بعد إن أيقنت بان الاقتصادي إذ أريد منه نمو وازدهار يحتاج إلى قوة عسكرية وسلاح متطور تقليدي وغير تقليدي لحمايته، بعد إن توسعت أسواقها و مصادر المواد الخام وعلى مستوى جميع القارات،
ولهذا شرعت لضمان شبكة المواصلات البحرية والبرية وبما عرف بـ( مشروع الحزام والطريق) ولهذا رغم هذا البناء المستحدث في قواتها العسكرية وأسلحتها،
إلا إن في كل الأحوال لا يضاهي قدرات العسكرية (الأمريكية)،
ولهذا فهي فكرت مليئا ووضعت خطط استراتيجي لاستنزاف القطاعات العسكرية (الأمريكية) بكل إشكال الممكنة؛
وربما يأتي تصنيع هذا الفيروس (كورونا) المصنع في (ووهان) ضمن نطاق هذا الاستنزاف لقدرات (أمريكا) العسكرية والاقتصادية لخلق نوع من الفوضى المجتمعية في صفوف الشعوب (الأمريكية) وولاياتها الخمسين،
وهذا ما جعل الإدارة (الأمريكية) تستعجل باتخاذ إجراءات غير مسبوقة رغم تفشي الوباء على مساحة (أمريكا) بإسراع لفتح مصانعها وأسواقها لتفادي أي تدهور اقتصادي واجتماعي وسياسي وعسكري، وهو الأمر ذاته أيضا؛
قيام الاستخبارات (الأمريكية) اليوم بتكثيف من حملات البحث والتعقب والتحليل المعلومات عن كل شاردة وواردة عن كيفية تفشي هذا الوباء وكيفية وصوله إلى أراضيها بعد إشارة أصابع الاتهام إلى (الصين) .
وهذه التطورات التي تفرزها جائحة (كورونا) هي التي تعطي مبررات للإمساك بالأمور بقبضة من حديد وعلى كل المستويات لان الخطورة تكمن في الإجراءات الاستثنائية التي يمكن إن تتخذها دول العالم بعد موجة تصاعد النزعات العنصرية وتدهور الاقتصاد التي يتأثر على قوت المواطنين بشكل مرعب؛
لان المثل يقال (قطع أعناق ولا قطع الأرزاق) وهو الأمر الذي يفتح أبواب لحروب داخلية ما يجعل مؤسسات الدول الأمنية على المحك في المرحلة القادمة لان ما سيطفح على السطح وبشكل علني؛
هو صعود التطرف بأجنحته السياسية والقومية في مؤسسات الدولة وربما يجعلهم يصعدون إلى سدة الحكم وفي دول متعددة، وهي قوى لا تؤمن لا بالفكر (الليبرالي) و لا بـ(الديمقراطية)،
بعد إن تكون البشرية عبر تفشي هذه الجائحة وتفاقم الأزمة الإنسانية في المجتمعات قد غادرت الفكر (الليبرالي) بعد إن يتم دفنه من منظومة الحياة،
وبعد إن بدءنا بأول خطوة في سحق (الديمقراطية)، الديمقراطية التي بدأت ملامحها تتقوض منذ الآن في كثير من بلدان العالم؛
نتيجة اتخاذ الإجراءات الوقائية وإعلان حالة الطوارئ لحد من انتشار فيروس (كورونا) في عديد من دول العالم، الأمر الذي دفع بهذه الإجراءات إلى انتهاك خصوصية الإفراد وحريتهم وعلى أرائهم ومعتقداتهم،
وهنا تكمن خطورة صعود (اليمين المتطرف) إلى سدة الحكم في عديد من بلدان العالم؛
لتكون (الشعوبية) و(العنصرية) ميزة النظام الدولي الجديد ما بعد زمن (كورونا)، لتظهر منظومة جديدة من أنظمة الحكم وعلى نطاق عالمي؛
تتميز بقسوته ووحشيته اقتصاديا وعسكريا،
مع هيمنة القوى النافذة، التي سيكون الإقصاء ابرز سماتها والتي تلجئ إلى العنف ضد الخصوم لتكون البشرية قد خسرت كل ارث حضارتها ووهجها، بعد إن ظل هذا الإرث الحضاري ولحقبة ليست بالقصيرة يتراجع عما تم بناءه من قيم وفكر وفلسفة وعلوم وتكنولوجيا كما كانت معطياته واضحة في (عصر النهضة) لتقدم للإنسانية معطيات أمل لتوسع الأمن والعدالة الاجتماعية لمنظومة الحياة الإنسانية على كوكبنا، ولكن رويدا – رويدا تخلخل المتطرفون في منظومة الحكم لبلدان العالم؛
وبشكل غير مسبوق في بناء ترسانة الموت والهلاك البشرية بفعل تصنيع السلاح الفتاك واندفاع في استنزاف قدرات وطاقة الأرض في الصناعة؛
لتكوين ثروات دون تخطيط لمستقبل البشرية على المدى البعيد، وكان لهذا الاستنزاف قد ارتد سلبا في قدرة طاقة الأرض على الاحتفاظ بتوازنها الطبيعي؛
بما تم من تلويث البيئة بجرف مساحات واسعة من الغابات؛
والذي أدى إلى ارتفاع الغازات الملوثة للطبيعة من المصانع والسيارات والمواد الكيماوية ومحروقات الغاز والنفط؛
التي أثرت تأثيرا سلبيا على طبقة (الأوزون) والتي احدث ثقوب فيها وتقليل من كثافة هذه الطبقة، هذه الطبقة التي تمنع وصول الأشعة فوق البنفسجية القامة من الشمس إلى سطح الأرض إلا بكميات محدودة، وهذه الأشعة هي أشعة قاتلة لكل أنواع الكائنات التي تعيش على الكرة الأرضية؛
والذي أتى نتيجة الاحتباس الحراري فاختنقت رئة الأرض بتوسع نطاق حرائق الغابات والأعاصير المدمرة والفيضانات والغازات المنبعثة من المصانع والمعامل وشركات النفط والغاز والسيارات والقطارات، ليضاف لهذه أللامبالاة تطوير أجنة الفيروسات القاتلة للحياة البشرية وكان أخرها صناعة فيروس (كورونا) لينتشر بجائحة وبائية انتشر على مساحة كوكبنا دون إي اعتبار على ما سيؤول مصير الإنسان،
وبدون أي رؤية لمخاطر هكذا أفعال وقرارات ليفتك بالإنسان وليسير مصيره نحو الهاوية،
ولكن (حركة التاريخ) بكل ما سيحدث سيمضي قدما .
نعم سنشهد انكسارات ووحشية في طبيعة النظم الحاكمة؛
ولكن (تاريخ الحضارات) سيمهد طريق لولادة جديدة ولو بعد حين، مهما طال عصر الاستبداد الذي اخذ ملامحه تظهر مع بداية جائحة (كورونا) ولكن القيم الإنسانية ستبقى في ضمير الإنسانية حية وان ستتراجع لبعض الوقت .