المذنبون الأبرياء … بين الوطن والوطنية مقال للكاتب د. ميثاق الضيفي حول الانتخابات ودور الحزاب في توظيف الاحتجاجات في الحملات الانتخابية
المذنبون الأبرياء … بين الوطن والوطنية
بقلم/ الدكتور ميثاق بيات ألضيفي
هل الاحتجاجات الشعبية هي مؤسسة جديدة للسيطرة على الساسة في الفترة الانتخابية؟
ام هي بديل للسياسات الانتخابية؟
ولما الشعوب فقدت ثقتها بالانتخابات؟
وان كانت المؤسسة السياسية مستاءة من الاحتجاجات للغاية فلم تصوت الشعوب من أجل لا شيء؟
وماذا يريد الطرفين؟
وما الذي وراء هذه الموجة الجديدة من السخط الصاخب المتكون في الغالب من الشباب
الساعي من أجل المطالبة بمستوى معيشة أعلى عبر التجمعات الجماهيرية في الساحات
بما في ذلك التجمعات الافتراضية وتوحيدهم
ليس فقط من خلال برنامج مشترك ولكن بالاتجاه الذي يعتقدون أنه يجب إن تكون عليه مجتمعاتهم.
اندلعت الأوبئة الاحتجاجية وكانت كل مظاهرة غاضبة بطريقتها الخاصة ولأسبابها المحلية الخاصة
لكن الاحتجاجات تطورت إلى ظاهرة عالمية واحدة غيرت الكثير من أفكارنا حول المستقبل
وكانت الاحتجاجات عبارة عن أعمال جماعية انضم إليها مئات الآلاف من الأشخاص وتسببت بتعاطف كبير من الجمهور العام واستحوذت على خيال العديد من الشباب
ولربما المستقبل الجديد ستملئه الحركات الثورية
إذ تعمل تقنيات الاتصال على توسيع إمكانات الاتصالات الجديدة والتعبير عن الذات.
وقد أظهر المحتجين عداءً مفتوحًا للمؤسسات وأعربوا عن عدم ثقتهم في الدولة،
ومالوا إلى التحرر وإلى الوصول للمؤسسات الحكومية والتمثيل فيها
وتمثلوا بجيل جديد من المتمردين يسعون إلى الاستغناء عن المؤسسات القائمة والتي لم يثقوا اصلا بها،
ومع انهم كانوا غير مهتمين بالاستيلاء على السلطة ولم يكن تمردهم ضد الحكومة لكن بعض احتجاجاتهم نجحت في إلهام الخيال ضد المؤسسات وأثارت الخوف من الفوضى
مما سمح للحكومات بتصوير دوافع المحتجين كتهديدات مباشرة للنظام العام.
نتائج الاحتجاجات
كيف يمكننا أن نفهم كل هذه الاحتجاجات؟
هل اشارت إلى تغيير جذري في الممارسة السياسية؟
أم أنها ليست أكثر من انفجارات للحياة العامة؟
لماذا نشأت الاحتجاجات في الدول الديمقراطية على قدم المساواة مع الدول غير الديمقراطية؟
وما الذي يجعل سياسات التقويض جاذبة بوضوح في العديد من المجتمعات المختلفة؟
أن موجة الاحتجاج اجتاحت الديمقراطيات على قدم المساواة مع الغير ديمقراطية،
وسارع كثيرون إلى التشكيك في الاحتجاجات على أنها غير مستقرة،
وبدت الإجابات كأنها مستعارة من سيناريو شائع،
ولم تكن أي حكومة تشعر بالخجل لاستخدام الشرطة لردع المحتجين
وازاء ذلك من السهل أن نفهم لماذا يلغى مواطني الدولة التي ينتمون إليها الحق في انتخاب قادتهم فعلياً وتوجيه احتجاجات الشوارع لتكون مصدرا للتحولات الاجتماعية والسياسية؟
وحتى وان قامت انتخابات جديدة فستتحول النخب إلى الانتخابات كفرصة للتلاعب بالناس بدلاً من الاستماع إليهم
بينما يستخدم المحتجين الانتخابات كفرصة للمظاهرات وليس كأداة لتشكيل السياسة
وإن النخبة الداعمة والجماهير المتظاهرة هما متحدتين بأمر الاستغلال .
الزواج ليس حبًا، والانتخابات ليست ديمقراطية لكن لن يفهم أحد سر المحبة من دون فهمه لأحقية الهدف بالزواج ممن احب،
ولن يفهم أحد الديمقراطية من دون فهم ما يجب أن تعنيه ممارسة إجراء الانتخابات والتي تتطلب منا أيضا أن نحكم على السياسيين على أساس ما فعلوه وليس على اساس ما وعدوا به،
لذا فإن الانتخابات هي آلة أحلام جماعية
ومع اقترابها تتزايد المؤامرات ويصبح حماس الناس محمومًا والبلد بأسره مضطرب،
غير انه وبمجرد الإعلان عن نتائجها كل شيء يهدئ ويسكن
والمفاجئ أن السياسيين والإعلاميين في كل مرة يصورون الانتخابات كنقطة تحول وكخيار يحدد مصير الجيل القادم للأمة؟
مظاهر الأزمة
السياسة الديمقراطية مستحيلة بدون تردد دائم بين الدرامية المفرطة وابتذال المشاكل التي نواجهها,
بينما تفقد الانتخابات قوتها إذا فشلت في تضخيم الشعور بالأزمة
وفي الوقت نفسه غرس الشعور بالتفاؤل بأن هذه الأزمة يمكن حلها،
وإذا كان الأمر على المحك هو البقاء على قيد الحياة فلا يمكن للمرء أن يتوقع أن تصل اللعبة الانتخابية إلى الهدف،
وان لم يتم تحديد أي شيء في يوم الانتخابات فلما يزعج الجميع أنفسهم بالذهاب إلى مراكز الاقتراع؟
ومع إن الانتخابات لم تفقد القدرة على تصوير خيال الناس غير إن هناك شك واسع الانتشار بأنهم أصبحت لعبة غش،
وإن انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات إلى جانب اندلاع الاحتجاجات السياسية الجماهيرية هو مظهر واضح للأزمة,
وأصبحت الانتخابات بموجبه فكرة ثانوية لا تنتج أغلبية وتفويضاتها السياسية لم تعد قادرة على تشكيل أغلبية واضحة وولايات سياسية ثابتة
وإن الناخبين يتم تعزيزهم بمعنى أنهم غير ملزمين بدعم القوة التي صوتوا لصالحها فتتفاقم المشكلة بسببية الأحزاب
والتي حتى لو كانت في السلطة فمن الصعب عليها الوفاء بوعودها
وإن الأثر المتناقض لفقدان الدراما في الانتخابات هو تحولها إلى طقوس بالية لا اكثر.
الروح المضادة للاحتجاجات
يوسع الاحتجاج الفرص غير إن التصويت محبط لأن اختراق السلطة لم يعد يضمن التغيير
وبذلك فقدت الانتخابات دورًا محوريًا في السياسات لأن الشعوب لم تعد تؤمن بأن حكوماتها تحكمها حقًا
ولأنها لم تعد تعرف من يتحمل المسؤولية عن مصائبها،
وكلما أصبحت مجتمعاتنا أكثر شفافية كلما كان من الصعب على الشعوب تحديد أين توجه غضبها؟
نحن نعيش في مجتمع من ” المذنبين الأبرياء ” حيث تفضل الحكومات إعلان عجزها لا بأسها وقوتها,
فما هي الروح المضادة للاحتجاجات والطبيعة المناهضة لسياسة القوة؟
وهل حققت الإحتجاجات هدفها أم أنها فشلت؟
هل يمكن انتهاج أداة أفضل للتغيير الجذري نحو الإصلاح؟
هذه الأسئلة ليست سهلة الإجابة لانه وببساطة تبدو احتجاجات اليوم وكأنها تمارين اثباتية لوجود ودور العلامات التجارية لشركات الفيسبوك و تويتر وغيرهما,
وعلى الرغم من أن الاحتجاجات لم تطلب السلطة إلا أنها طرحت إستراتيجية فعالة لتوسيع الحقوق والفرص المدنية في عصر العولمة في عالم تكون فيه الحكومات أضعف من ذي قبل
إذ تكون الشركات أكثر حركة والأحزاب السياسية غير قادرة على بناء هوية سياسية حول رؤيتها للمستقبل.
ومن المميزات أن المتظاهرين قرروا في كثير من الحالات تعطيل النظام العام وليس الإضراب،
ولم تكن الشخصية المركزية للاحتجاجات عاملاً أو طالباً بل كانت مواطنة مثالية وكانت ناجحة في التأثير على السياسات عبر الحدود الوطنية وفي تقويض الشعور بالأمن بين النخب
وتمكنت من إظهار شدة المشاعر العامة بشكل فعال.
ولقد أظهرت الاحتجاجات أن التغيير ممكن حتى من دون التمسك بشيء ملموس وأكدت على إمكانية التغيير وتركت المستقبل مفتوحًا
كما أنها صنعت جماعة مع المشاركين والتي بنت هويتهم السياسية على أساس نشاط الاحتجاج إلا إن لغته كانت يجب أن تكون حاملة لنغمة الأخلاق لا عبث السياسة !!!
الدكتور ميثاق بيات الضيفي