الاساطير … بين الأمن والسياسة مقال للكاتب الدكتور ميثاق بيات الضيفي تكام فيه عن معنى الأسطورة في الأمن السياسي والأمني
الاساطير … بين الأمن والسياسة
بقلم/ الدكتور ميثاق بيات ألضيفي
تعد الأساطير الأمنية جزءا لا يتجزأ من الوعي السياسي للمجتمع والفرد
لأنها مجموعة متخصصة موضوعيا
وبسبب صلاحيتها الانعكاسية فهي تضمن الاستيلاء دون حرج على القيم والاستراتيجيات والتكتيكات الأمنية
ويمكن تكييفها بسهولة مع قناعات الظروف الحديثة لتوفيرها,
وأن الأساطير الأمنية هي استراتيجيات القدرة على اختلاق الحقيقة
فيتم تحفيز الاهتمام المتزايد بقضاياه من خلال التعقيد المتزايد لواقع الحياة
مما يجعل الشخص أكثر عرضة للتهديدات ويزيد من الحاجة إلى تحسين آليات ووسائل زيادة فعاليات التصدي للاخطار،
غير إننا وفي الوقت ذاته نؤكد إن تقدم البشرية عن طريق التقدم التقني والتحولات الاجتماعية ذات التوجه الإنساني وتغير الأولويات في العديد من القضايا الوجودية
لربا لم يؤدي إلى الانتقاص من قيمة الأمن للبنى الحضارية،
مستندا بذلك على الدمج المسبق في عمليات التفاعل الإنساني والأنظمة التي أنشأتها مع واقع متغير ومتناقض.
الأمن السياسي والعسكري
من الناحية التاريخية كان الاهتمام الأول للمجتمع هو الأمن السياسي والعسكري
واعتبر تطوير الاستراتيجيات والتكتيكات لضمان تلك الأنواع من الأمن مهمة رائدة ومدرجة في عمليات بناء أنشطة الدولة والكيانات العامة،
وكانت تلك المهمة ذات أهمية كبيرة في التنمية الاجتماعية
وهي المهمة الوحيدة لجميع الهياكل التي تخدم قطاع الأمن،
وعند إعادة التفكير في العديد من القيم ومن دون خسارة الأولويات الإبصارية التقليدية وسّع الأمن نطاق أجسامهم بسبب التركيز الهائل على احتياجات الفرد
وكان النظر في قضاياه مصحوبا بالموافقة على فكرة الدور القيادي للإنسان
وتشكيل نظام شامل لضمان ذلك ولتحديد المعلمات النوعية والكمية
لتنفيذها جنبا إلى جنب مع القضايا الفلسفية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية.
فهم الأسطورة
أن الأسطورة باعتبارها شكلاً من أشكال الوعي الجماعي والفردي تجري حاليًا إعادة التفكير في فهمها بصور واشكال متخصصة للغاية
كقصة ملونة عن الآلهة الأسطورية والأبطال المؤلَّفة وكشف عن أفكار الناس حول النظام العالمي وموقعهم فيه
وحول أصول الأشياء والنظام غير الثابت للأشياء التي يعزو إليها أية حقائق مرتفعة إلى رتبة المطلقة,
وعلى الرغم من التحوّل الطفيف في اللهجات التفسيرية
فإن الأسطورة لا يزال يُنظر إليها على أنها نظام قيم مركّز مقترنًا ببعض الروايات والحكايات والتصورات التي توقظ المعتقدات والألوان المزينة عاطفياً في شخص ما
مما يسمح له بتحرير عقله وتنظيم صورة العالم على هذا الأساس,
وقد تؤدي صلاحيّة حالة ما قبل الانعكاسية ومصداقيتها للحقائق المطروحة فيها إلى الجمع بين الترتيب المنطقي والعاطفي والكاريزما في عرض محتواها المتأصل في المعرفة الأسطورية,
ولذا فأن حقيقة التعبئة في المعاني المقدسة تستلهما الأساطير لتوظفها كوسيط بين الإنسان والعالم من حوله,
كما وان نظام القيم المسيطرة الواردة فيه يتخطى الحدود التاريخية ويسمح بتزيين الواقع الحديث بأقصى قدر من الحواس والمعرفة العاطفية.
الأساطير الأمنية
يتم تفسير الأساطير الأمنية المتخصصة والموضوعية على أنها تكشف عن القيم الأساسية في مجال الأمن
وتقدم نماذج سلوكية تضمن تحققها وكذلك كجزء من البنية التحتية الأسطورية للنفسية البشرية,
وإن الواقع العقلي الذي يجسد تكتلاً كليًا للأفكار والحاجات والرغبات والميول والطموحات والمصالح والاهتمامات والقيم والمواقف الفردية في مجال الأمن,
وإن وجود أساطير ذات طبيعة مشروطة رمزية وأخرى ذات طبيعة قيمة لها من الأسس الممكنة لتحقق تراكيب مخفية عن الوعي
تساعد على التغلب على تجزئة ونسبية وخلل الوجود وهو ما ينعكس في نوعية حل المشاكل الأمنية,
وان أحدها مرتبط بالتناقض الداخلي لظاهرة الأمن ذاتها
والتي تنطوي على تنفيذ موضوع استراتيجية التقارب التام والعزلة عن بيئة غير متجانسة وغير مؤكدة
مما يثير الشك الذاتي
لدرجها انه يمكن لها أن تكون عدائية وتميل إلى تغيير أو تدمير أو ربط القطب الأمني بتركيب العديد من العوائق المحيطة به
والمصممة لتحييد التأثيرات الواردة لتزويده ببيئة دائمة يمكن التنبؤ بها للوقاية من صعوبات ومشاكل الحياة.
عدم توافق المعنى
إن عدم توافق المعنى مع محتوى الحياة العصرية هو أيضًا خطة مهمة للطلب على أساطير الأمن
وإن النسبية والشرطية وعدم الاتساق في العديد من معالمها تؤدي لخطر على حياة الإنسان
مما يمكن أن يحصل على فهم أكثر ملائمة واكثر قبولية ذاتية
مع استخدام الإمكانية الكامنة في الأسطورة التي تسمح بإعادة صنع واقعي أمامها
مع ما يكفي من التنظيم والاستجابة لاحتياجاتها وتسليحها بالموارد والاستراتيجيات والتكتيكات
من أجل تحقيق الاستخدام الأمثل لتوازن فردي معين للأمن والتنمية
وتوليف على المستوى النظري والقاعدي لموارد الأسطورة
وذات مغزى استقراءي للمجال الأمني ليبرهن على المعلومات والتوجيه وتحديد الهوية التعويضية والتلاعبية لوظيفة تعبئة الأساطير الأمنية.
وهنا تعتمد وظيفتها المعلوماتية على المحتوى التثقيفي للتاريخ الواضح والموافق عليه حول الظروف والآليات والاستراتيجيات والخوارزميات والجوانب الأخرى لتنظيم الحياة الآمنة,
مما يدعم القابلية الخاصة لأساطير مختلف الموضوعات من خلال الحد من عتبة صعوبة الفهم في مواقفها القائمة على أساس الصور التاريخية الغارقة في القدم,
ويحتوي محتوى المادة الأسطورية على إمكانية الوصول إلى فهم وسهولة تحديد معانيها
وإن التحديث الحتمي لخطوط محتواها لا يستبعد الاعتماد على دلالات أساسية لكل البشرية
إضافة إلى إنه واستنادا إلى القيمة الوجودية للأمن يمكن افتراض كشفه عن أساطير تتكاثر في الزمان والمكان المتعلق بالواقع
كحقيقة عالمية غير قابلة للتغيير مما قد يؤدي إلى الجمع بين القيم غير المشروطة والخيال والاتفاقيات الموجودة فيها
إضافة إلى فتح إمكانية وجود رؤية جديدة للفرد وفهمه للواقع وإعادة التوجيه,
وإن الكشف عن جوانب جديدة للوضع هو وسيلة لإضفاء الشرعية على مستوى الوعي الفردي
فلذلك هو نقطة البداية لبناء تفاعل ملائم معها وهو أمر بالغ الأهمية لممارسة ضمان الأمن
وإن الإمكانات التفسيرية القوية للمحتوى الأسطوري تسمح باستيعاب الحالات الاجتماعية وتكوين الخبرة الفردية.
ماهية الأسطورة الامنية
الأسطورة الامنية هي شبكة من الإحداثيات تسهل تثبيت أكثر المواقع سلامة في المزايا الاحتمالية المعروضة بشكل مبهم والخيارات الممكنة ذات الطابع الشخصي,
كما وانها مجموعة متنوعة لا حصر لها من الخيارات لما هو جيد وما هو سيئ للحفاظ على الأمن لإن ذلك قد يؤدي إلى عزل المواقف المتطرفة
مع التأكيد على جانب أو آخر من المحتوى ذي القيمة الدلالية ببناء المثل العليا للأمن لضمان تفاعلها مع الواقع المحيط عبر وضع معايير قيمة ثابتة تتيح للأساطير بواسطتها التغلب على رؤية مجزأة للعالم والبناء على أساس هذا التفاعل متطلبات الأمن.
فلذا تتمثل وظيفة تحديد الأساطير الأمنية في الفرصة التي توفرها من أجل التعرف وتصنيف جوانب الواقع المرتبطة بموضوعها,
كما إن انتشارها ينطوي على تضاعف الكتلة لبعض المواقف التي تشكلها الهياكل الأساسية لمنظور أسطوري معين وتخترق في حد ذاتها الحكايات التي بنيت فيها وحولها
مما يمكن الافتراض أنه بالنسبة للمسائل الأمنية فهي تكشف معظم المحتوى الأساسي للظاهرة المقابلة وتقدم نصوصها رؤية محددة للأمن والتنمية مع مراعاة الحقائق الحديثة,
ويسمح التمثيل الضمني للقيم الأمنية المدمجة في المواد الأسطورية على المستوى الاجتماعي بالتغلب بأمان على الحواجز ذات الصلة،
ولذلك تتمثل الميزة الواضحة لاستخدام أساطير الامن في انتشارها بجميع مناسبات حياة الشخص,
وإن إمكانيات تحديد الهوية الكامنة في الأساطير تزيد من مستوى فهم الواقع المحيط فتؤدي دوراً إيجابياً ببناء عوامل الاكتفاء الذاتي للأمن.
الوظيفة التعويضية لأساطير الأمن
تكشف الوظيفة التعويضية لأساطير الأمن من خلال قدرتها على المساعدة في عيش معالم الواقع المؤلمة،
وإن الأسطورة كونها جزءًا عضويًا من هذا الفضاء الخيالي فهي الوسيلة الفعالة الوحيدة لإدارة محتواه لتضع حدود وشروط تحقيق مكوناته
مما يمكنها من حل المشاكل الأمنية الملحة التي تنشأ فتسمح لنا عبر استخدام إمكاناتها المحورية بإدخال عنصر نظامي في سلسلة الأحداث المتعلقة بالأمن
لتحقيق أقصى قدر ممكن من الموارد للتعويض عن الانسجام المضطرب,
ويمكن لها بذلك أن تؤدي بعمليات التنسيق لتشمل كل من الواقع الذاتي والموضوعي وعلى أساس معالجتها كوسيلة ذاتية وتهديدات حقيقية وخفية كلية وجزئية
للتغلب على العواقب المدمرة للأفراد في مواجهتهم الأخطار.
وقد تبرز من ذلك وظيفة الاسطورة عن طريق معاملتها كوسيلة إنتاجية لبناء الإنسان من المواد البيولوجية
ليتم تحقيق الإمكانات القوية لتغيير الأوساط الدلالية والقيم والسلوكية لشخص ما بدمج الواقعية والمثل الأعلى والماضي والمستقبلي والذاتي والهدفي,
وهي ترتبط ارتباطا وثيقا بمبدأها القيمي والرمزي وتتركز مصادرها في حياة الشخص وإيمانه الذي لا نهاية له كمصدر لا ينضب من نشاط حياته مما يمنحها مع شحنة قوية الطاقة اللازمة للتغلب على الصعوبات,
فالقوى التي تتولد لموضوع قائم على زراعة بعض الأساطير لها أهمية خاصة في مجال الأمن وصنع القرار وبناء النشاط الذي يكون فيه إلى حد كبير أساسًا بديهيًا,
ويكشف الحمل الوظيفي لأساطير الأمن عن دمجها لوظائف المعلومات والتوجيه والتعريف والتعويض والتلاعب والتعبئة للأسس السببية لديمومتها لتشهد على البراغماتية والفعالية التشغيلية وللمساهمة في حل منتج للمهام الأمنية,
ونظراً للحاجة المستمرة إلى ذلك وكحضارة فردية وككلية فلا يمكن الافتراض أن الشكل الأسطوري للمعرفة يمكن القضاء عليه مما يكشف جوانب مختلفة من الممارسات الأمنية.
الوعي السياسي للمجتمع
يتميز الوعي السياسي للمجتمع ككل من مواضيعه الفردية بملامسة كافية ومليئة بالتناقضات والشكوك والنشر والتأصيل للأساطير المختلفة
وإن التوجه الأولي للجهاز السياسي على أي مستوى لحل المشاكل الأمنية المختلفة يجعل من الأكثر إثارة للاهتمام للمعرفة العلمية والعملية النظر في ملامح الأساطير المولودة في الوعي الأمني الجماعي.
وان المجال السياسي هو مجال مواتٍ لتحليل الأساطير الأمنية أيضاً لأن أحداثها هي التي تحصل على أكبر تغطية في وسائل الإعلام ،
وإن التفكير الأسطوري يعد أكثر المجالات المثمرة لممثليهم العديدين الهادفين لملئ الوعي السياسي لدى السكان بالخيالات والتخمينات والحقائق الزائفة والمفيدة للذين يسيطرون على أنشطة مصادر المعلومات.
وإن التشبع المفرط والسطوع والعدوانية المدعومة من قبل المعرفة بالتكنولوجيات التواصلية واستخدام قدرات البث الحديثة للمعلومات يجعلها فعالة،
لذا فإن الشكل الأسطوري لتقديم هذه المادة يجعل من الحتمي إدخال بنية معينة من القيم والقوالب النمطية السلوكية
وإعادة ترتيب فهم الموضوع بأستراتيجية حديثة لدور العمليات السياسية في ضمان الأمن العام والامن الشخصي
ولذلك نرى إنه يستوجب إدراج اساطير الأمن العام في الفضاء البحثي لعلم النفس السياسي لتكون عنصرا متكاملا في الوعي السياسي لكل من الموضوعات الجماعية والفردية
وكأساس لمعالجة التطورات اللاحقة للمشكلات الامنية.