Site icon حديقة المقالات

شباب الملوك .. نهوض الشباب بعظَائِم الأمُور للعلامة الشيخ محمد الخضر حسين

شباب الملوك

شباب الملوك ، نهوض الشباب بعظَائِم الأمُور للعلامة الشيخ #محمد_الخضر_حسين . في مقال استرسل فيه ، وأجزل الكلام عن ملوك الشباب ومن تحمل عبء القيادات في الجيوش والإمارات في سن الشباب ، تكرر في المقال عبارات (عظماء شباب ، هؤلاء العظماء ، تولى الملك ، الملوك ، العظماء ، الشباب ، سن العشرين ) المقال تجاوز ٢٢٨٠ كلمة و ١٥٥ فقرة يستغرق ١٣ دقيقة و ٣٥ ثانية للقارئ الصامت

نهوض الشباب بعظَائِم الأمُور للعلامة الشيخ محمد الخضر حسين

نهوض الشباب بعظَائِم الأمُور (١) للعلامة الشيخ محمد الخضر حسين

يسبق إلى الأذهان أن الفتى حديث السن؛ لقلّة ما مَرَّ عليه من التجارب، تخفى عليه عواقب الأمور ويقصر باعه عن حل المعضلات، وتصريف الأمور بحكمة،

ومن هنا نرى الناس يحتملون أخطاء الشباب أكثر من احتمالهم أخطاء غيره، ويعتذرون عنه بحداثة سنة،

كما قال عمر بن الخطاب لمن أنكر عليه عزل خالد بن الوليد من قيادة الجيش الفاتح للشام: إنك حديث السن، مُغْضَبٌ في ابن عمك.

وهذا حق بالنظر إلى الشباب الذين ينشأون نشأة عادية، فتنمو عقولهم على قدر ما يمر عليهم من السنين، وعلى قدر ما يلاقون من تجارب الحياة.

ما استقامت قناة ُفكري إلا

بعد أن أعوج المشيب قناتي

ولكنَّ التاريخ والمشاهدة يدلان على أن في الشباب من يبلغ في حصافة العقل، وحسن التدبير المنزلة الكافية لأن يُلْقَى على عاتقه ما يُلْقَى على عواتق الكهول أو الشيوخ من عظائم الأمور.

وفي مثل هذا الفتى يقول بعض الأدباء: قد لبس شبابه على عقل كهل، ورأي جزل، ومنطق فصل، حمدت عزائمه، قبل أن تحمل تمائمه.

وفي مثل هذا يقول آخر: وكان بارعاً في العلم أو السياسة إلى درجة تسمو على سنِّه.

وفي مثل هذا الفتى يقولون: كان حسن السيرة رفيقاً بالرعية، على حداثة سنِّه.

وقد يقولون: لا تنظر إلى صغر سن فلان، وانظر إلى عظم ما بلغه من المجد، كما قال البحتري:

لا تنظرن إلى الفياض من صغر

في السن وانظر إلى المجد الذي شادا

إن النجوم نجوم الأفق أصغرها

في العين أذهبها في الجو إصعـادا

وإذا قلَّبنا صفحات التاريخ دلَّتنا على رجال ظهرت عبقريتهم، وكفايتهم للقيام بأعمال جليلة وهم في أوائل عهد شبيبتهم.

الشباب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

نقرأ في السيرة النبوية أن النبي ” ولّى عتاب بن أسيد مكة وقضاءها وهو في سن الحادية والعشرين،

وولّى معاذ بن جبل على اليمن وهو دون سن العشرين، وولّى أسامة بن زيد إمارة جيش فيه الشيخان أبو بكر وعمر، وسنُّ أسامةَ يومئذ تسعَ عشرةَ سنةً.

وولّى عُمَر بنُ الخطاب ÷كعبَ بنَ صور قضاء البصرة وهو في سن العشرين،

وكان يدعو ابن عباس في المعضلات، ويجلسه بين الأشياخ وهو دون سن العشرين،

وقلّد عثمانُ  عَبد الله بن عامر ولاية البصرة و هو ابن خمس وعشرين سنة، قاد الجيوش، وفتح ما بقي من بلاد الفرس، حتى انقرضت على يده الدولة الساسانية.

وولَّى الحجاجُ محمدَ بنَ القاسمِ بنِ محمد بن الحكم الثقفي قيادة جيش أخمد ثورة في الفرس، وقيادة جيش افتتح السند، وكان عمر هذا القائد سبع عشرة سنة حتى قال فيه بعضهم:

قاد الجيوش لسبع عشرة حجّة

يا قربى ذلك سؤدداً من مولد

وظهر نبوغ مخلد بن يزيد المهلبي في أوائل عهد شبابه، وفيه يقول حمزة ابن بيض الحنفي :

بلغت لعشر مضت من سنيــ

ك ما يبلغ السيد الأشيب

فهمّك فيها جسام الأمور

وهـمّ لداتـك(٢) أن يلعبوا

وكان مخلد هذا والياً على جرجان، وتوفي في عهد عمر بن عبد العزيز، وهو ابن سبع وعشرين سنة،

وقال عمر بن عبد العزيز: اليوم مات فتى العرب، وأنشد متمثلاً:

على مثل عمرو تذهب النفس حسرة حسرةً

وتضحي وجوهُ القوم مغبرّةً سودا

وولىَّ المأمون يحيى بنَ الأكثم قضاء بغداد وهو في سن الحادية والعشرين،

وتولى أبو شجاع بن نظام الدين الوزارة للمسترشد، وسنه دون العشرين، ولم يل الوزارة أصغر منه .

شباب الملوك

وإذا انتقلنا إلى النظر في شباب الملوك وجدنا رجالاً تقلدوا الملك في سن العشرين أو فيما دونه أو فيما يزيد عليه بقليل،

وأخص حديثي وما أسوقه من الأمثال بمن تولوا الملك في عهد الشباب، وظهرت لهم آثار تدل على كفايتهم للقيام بأعباء الملك،

وأضع في أول سلسة هؤلاء الشباب من الملوك الخليفة هارون الرشيد فإنه تولى الخلافة وهو في سن الحادية أو الثانية والعشرين،

وماذا أقول في هارون الرشيد وصحف التاريخ مملوءة بمآثره الحميدة، وبما بلغه الإسلام في عهده من العزة والعظمة؟

وإذا لم يكن بدٌّ من ذكر خصلة من خصاله الزاهرة، فإنه كان يدع القضاء يتمتع بحريته الكاملة،

ومما حدثنا به التاريخ أن يهودياً كان قد رفع عليه قضية لدى القاضي أبي يوسف وحكم القاضي لليهودي، وكان هارون في المجلس فبادر إلى تنفيذ ما حكم به القاضي.

ومن عظماء شباب الملوك ملك شاه بن ألب أرسلان الملقب بالسلطان العادل، تولّى الملك وهو في سن التاسعة عشرة أو العشرين،

وقد ملك من كاشغر _ أقصى مدينة في بلاد الترك _ إلى بيت المقدس، وكان مغرماً بالعمران، لهجاً بالصيد، مظفراً في الحروب،

وكانت السبل في أيامه آمنة: تسافر القوافل أو الأفراد مما وراء النهر إلى أقصى الشام من غير خوف ولا رهبة.

وأصدق شاهد على إخلاصه في سياسة الأمة أنه خرج لقتال أخيه أبي سعيد بن ألب بن أرسلان؛ فقال في دعائه: اللهم انصر أصلحنا للمسلمين، وأنفعنا للرعية.

ومن عظمائهم محمد بن ملك شاه؛ فقد تولى السلطنة وهو في سن العشرين، وسار سيرة حسنة،

وكانت له الآثار الجميلة من العدل الشامل، والبرّ بالفقراء والأيتام، وكان ساهراً على أن تكون عقيدة الأمة سليمة يخشى أن يدخلها الإلحاد؛

فتتزعزع قوتها المعنوية، وما تفشَّى الإلحاد والإباحية في قوم إلاَّ فقدت الرجولة من نفوسهم، ورَكِب العدو أعناقهم.

ومن شباب الملوك محمود شاه

ومن عظمائهم محمود بن محمد بن ملك شاه فقد تولى السلطنة في خلافة المستظهر بالله،

وخطب له في بغداد وهو في سن الحلم،

وكان هذا السلطان متوقداً ذكاءاً، قوياً في العربية، عارفاً بالتواريخ، شديد الميل إلى أهل العلم والفضل، وهو الذي مدحه الشاعر حَيْصَ بَيْص بقصيدته التي يقول فيها:

يا ساري الليل لا جدب ولا فرق

فالنبت أغيد والسلطان محمود

قيلٌ تألفت الأضداد خيفته

فالمورد الضنك فيه الشاء والسِّيْد(٣)

ومن عظمائهم فنا خسرو عضد الدولة بن بويه فقد ولّي سلطنة فارس وعمره خمسة عشرة سنة،

واستولى على العراق والجزيرة، وهو أول من خوطب بالملك في الإسلام،

وكان شهماً حازماً متيقظاً محباً لأهل الفضل، وقصده فحول الشعراء ومدحوه بأحسن المدائح، ومن هؤلاء المتنبي ومما قال فيه:

ومن أعتاض عنك إذا افترفتا

وكل الناس زور ما خلاكا

ومنهم محمد بن عبد الله السلامي وهو الذي يقول فيه:

وبشرت آمالي بِملْكٍ هو الورى

ودارٍ هي الدنيا ويومٍ هو الدهر

ومن عظماء شباب الملوك في الشام أو مصر، أبو الفتح غازي بن السلطان صلاح الدين المعروف بالملك الظاهر؛

فقد سَلَّم إليه والده مملكة حلب وسِنُّه أربعة عشر سنة،

وكان ملكاً حازماً، عالي الهمة، حسن السياسة، كثير الاطلاع على حال الرعية وأخبار الملوك، باسطاً للعدل، مجّلاً للعلماء، مجيزاً للشعراء،

ورثاه راجح بن إسماعيل الحلبي بقصيدة بديعة يقول في طالعها:

سل الخطب إن أصغى إلى من يخاطبه

بمن علقت أنيابه ومخالبه

ثم يقول:

أيا تاركي ألقى العدو مسالماً

متى ساءني بالجد قمت ألاعبه

ومن شباب ملوك مصر خمارويه بن أحمد بن طولون، فقد تولى ملك مصر وهو ابن عشرين سنة، وكان هذا الملك يمثل الثبات ومقارعة الخطوب،

فقد أصابه في أوائل ولايته ما يكسر العزم، ولكنه مازال ينهض حتى ثبت لقتال الخارجين عن طاعته،

ووصل أصحابه إلى سر من رأى بالعراق، وعظم أمره، واستولت الهيبة منه في القلوب.

إلا أنه كان ينفق الأموال الطائلة في الملاهي والزينة، كما فعل في تجهيز ابنته قطر الندى.

شباب الملوك : علي بن الحاكم العبيدي

وممن يذكر في هذا القبيل علي بن الحاكم العبيدي، الملقب بالظاهر، فقد تولّى ملك مصر وعمره ست عشرة سنة،

وكان على خصال حميدة من نحو السخاء والحلم والتواضع والعدل في الرعية، والنظر في إصلاح البلاد،

وكان لا يدَّعي ما كان يدَّعيه والده وجدُّه من المزاعم، وله كتاب يتبرأ فيه من الغلاة فيه وفي آبائه.

ومن هؤلاء العظماء المظفّر موسى بن الملك العادل؛ فقد ملكه والده مدينة الرُّها وهو في سن العشرين، واتسع ملكه بعد،

وكان سلطاناً واسع الصدر، كريم الأخلاق، ويقول المؤرخون: إنه أحسن إلى الناس إحساناً لم يعهدوه ممن كان قبله؛

فكان محبوباً إلى الناس مؤيداً في الحروب، ومن شعرائه أبو الحسن علي ابن محمد المعروف بابن النبيه، ويعجبني من مديحه له قوله:

قام بالدنيا وبالأخرى معاً

فهي ضراتٌ به قد رضيت

حسن الظاهر للناس وللـ

ـه منه حسنـاتٌ خفيت

ومن عظماء شباب الملوك في تونس أحمد بن محمد بن الأغلب؛ فقد ولي الملك بالقيروان وهو في سن العشرين،

وكان حسن السيرة، رفيقاً بالرعية، كثير الصدقات، وكان مولعاً بالعمارة؛ فبنى بأفريقية حصوناً كثيرة بالحجارة، والكلس، وأبواب الحديد.

ومن هؤلاء العظماء باديس بن المنصور، فقد تولّى الملك بالقيروان وعمره إحدى عشرة سنة، وكان ملكاً كبيراً حازم الرأي شديد البأس،

وأذكر من مآثره أن الفقيه الزاهد محرز بن خلف بعث إليه بكتاب يعظه فيه، ويطلب رفع مظلمة وقعت على أحد تلاميذه،

ومما يقوله في الكتاب: لا يغرنك توالي زخارف الدنيا عليك، وشاور في أمرك من يتقي الله، وخَفْ من لا يحتاج إلى عون عليك، أنت على رحيل؛ فخذ الزاد +.

ولما وصل الكتاب إلى باديس، أصدر أمراً بتحرير طلبة العلم كافة، ورفع الظلم عنهم جملة.

ومن هؤلاء العظماء المعزّ معد بن منصور العبيدي تولى الملك وهو في الثانية والعشرين من العمر،

وثبَّت دعائم دولتهم بالمغرب، ثم أسس الدولة العبيدية بمصر، وكان عاقلاً حازماً أديباً.

من شباب الملوك المعزّ بن باديس

ومنهم المعزّ بن باديس؛ فقد تولّى الملك وهو في السنة الثامنة من العمر،

وكان ملكاً جليلاً، عالي الهمة، حريصاً على تنفيذ أحكام الشريعة الغراء، واجتمع بحضرته من أفاضل الشعراء ما لم يجتمع إلا بباب الصاحب بن عباد.

ويدخل في صف هؤلاء المستنصر بالله محمد بن زكريا؛ فقد تقلّد الملك في تونس وعمره عشرون سنة،

فنهض بأعباء الملك، وعلا صيته، وأبقى آثاراً علمية وأدبية وعمرانية أبقت له ذكراً جميلاً،

وهو الذي قدم عليه حازم القرطاجني من الأندلس، فأكرم نزله، ومدحه بقصيدته الطائية المعروفة، وقصيدته الرائية التي يقول في نسيبها:

ولا تعجبوا يوماً لكسر جفونها

فإن إناء الخمر في الشرع يكسر

ويقول في حال الأعداء:

وقد شابه الأعداء جمعاً مؤنثاً

لذاك غدت في حالة الفتح تكسر

ومن عظماء شباب السلاطين بالمغرب الأقصى إدريس بن إدريس الحسني؛ فقد أخذت له البيعة بالمغرب الأقصى وعمره إحدى عشرة سنة؛

فقد نشأ في كفالة مولى أبيه راشد، فأقرأه القرآن الكريم، وعلمه السنّة، وروَّاه الشعر وأمثالَ العرب، وأطلعه على سير الملوك، ودربه على ركوب الخيل والرمي بالسهام،

فلم يصل إلى السنة الحادية عشرة حتى ترشح للأمر، واستحق أن يبايع، وظهر من ذكائه ونبله ما أذهل العامة والخاصة.

صعد المنبر يوم بيعته وخطب، ومما قال في خطبته: =أيها الناس! إنا قد ولّينا هذا الأمر الذي يضاعف للمحسن فيه الثواب، وللمسيء الوزر،

ونحن _والحمد لله_ على قصد جميل، فلا تمدوا الأعناق إلى غيرنا؛ فإن ما تطلبونه من إقامة الحق إنما تجدونه عندنا.

وكان عاملاً بكتاب الله قائماً بحدوده، وبذلك استقام له الملك وعظم أمره.

ومن هؤلاء العظماء علي بن محمد بن إدريس، أخذت له البيعة بعد وفاة أبيه، وكان يوم بويع في سن العاشرة من العمر،

فظهر ذكاؤه ونبله، وسار بسيرة أبيه وجده في العدل، وإقامة الحق، وقمع الأعداء، وضبط البلاد والثغور، ويقول المؤرخون: كانت أيامه خير أيام.

علي بن يوسف بن تاشفين

ومن هؤلاء العظماء علي بن يوسف بن تاشفين، بويع وعمره ثلاث وعشرون سنة،

وكان حليماً عادلاً وقوراً آخذاً بالحزم؛ فضبط الثغور، وملك من البلاد ما لم يملكه أبوه من قبله.

ومن عظماء شباب الملوك بالأندلس عبد الرحمن الناصر، تولّى الملك غير متجاوز الثانية والعشرين من عمره، درس عبد الرحمن القرآن والسنّة،

وأجاد النحو والتاريخ، وبرع في فنون الحرب والفروسية، وزهت في عصره العلوم والزراعة والصناعة، وساد الأمن في البلاد،

وكان للعلماء في عصره الحرية المطلقة، يواجهونه بالأمر بالمعروف، ويتلقى منهم ذلك بصدر رحب.

ومواقف منذر بن سعيد في نصحه له معروفة في التاريخ،

وهو الذي خطب على المنبر في بعض المجالس الحافلة منكراً عليه بالإسراف في تشييد المباني وزخرفتها، وهو الذي خاطبه في أحد المجالس بقوله:

يا باني الزهراء مستغرقاً

أوقاته فيها أما تمهل

لله ما أحسنها رونقاً

لــو لم تكن زهرتها تذبل

وكان القضاة في عهده على استقلال لا يخشون معه لومة لائم، وكان القاضي ابن بشير يحكم عليه لخصمه، ويتوعده بالاستقالة إذا لم يتمثل ما حكم به عليه.

ومن هؤلاء العظماء أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل بن فرج أحد ملوك غرناطة، تولّى الملك وهو في السادسة من العمر،

وكان الغالب على أيامه الهدنة والصلاح والخير، وكان وزيره الأديب الكبير أبو الحسن بن الجياب، ثم توزَّر له لسان الدين بن الخطيب.

محمد بن يوسف بن إسماعيل

ومن هؤلاء العظماء ابنه محمد بن يوسف بن إسماعيل، بُويع له بعد وفاة أبيه يوسف وعمره تسع سنين،

وكان وزيره لسان الدين بن الخطيب بعد أن توزر لأبيه من قبله، ووصفه ابن الخطيب فقال: مُتَحلٍّ بوقار وسكينة،

وسافرٌ عن وسامة يكتنفها جلباب حياء وحشمة، كثير الأناة، ظاهر الشفقة، عطوف مخفوض الجناح، مائل إلى الخير بفضل السجية؛

فأنست العامة بقربه، وسكنت الخاصة إلى طيب نفسه، وحمد الناس فضل عفافه وكلفه بما يعنيه من أمره، وكان _ مع هذه المزايا _ مثلاً في الفروسية، قال بعض مادحيه:

إن ألمَّتْ هيعةٌ طــار إليـها غيـــر وان

يصــــدع الليل بقلبٍ ليس بالقلب الجبـان

وأختم حديثي هذا بحديث ملوك تقلدوا في أوائل شبابهم ولايات كانوا فيها مظهر اليقظة والحزم،

وتولوا الملك بعده، فساروا فيه سيرة عبقري زادته التجارب خبرة بطرق السياسة الرشيدة.

ومن هؤلاء الملوك هشام بن عبد الرحمن الداخل _ مؤسس الدولة الأموية بالأندلس _ فقد كان والده عبد الرحمن يوليه في صباه الأعمال، ويرشحه لولاية الملك،

ولما توفي عبد الرحمن تولى هشام الخلافة وعمره ثلاثون سنة، وكان يذهب بسيرته مذهب عمر بن عبد العزيز .

ويدخل في نظم هؤلاء الملوك عبد الرحمن بن الحكم الأموي، وكان أبوه الحكم يوليه قيادة الجيوش العظيمة في الأندلس وهو ابن خمس عشرة سنة، فيهزم الأعداء، ويعود ظافراً.

تميم بن المعزّ بن باديس

وأذكر من هذا القبيل تميم بن المعزّ بن باديس، فوض إليه والده المعزّ ولاية المهدية وهو في سن الثالثة والعشرين، وتولى الملك بعده وهو في سن الثانية والثلاثين،

وكان حسن السيرة محمود الآثار، معظماً لأرباب الفضائل، وقصدته الشعراء من الآفاق، وكان هو نفسه معدوداً من

طبقات الأدباء، ومن شعره:

فإما الملك في شرف وعزٍّ

عليَّ التاج في أعلى السرير

وإما الموت بين ظُبا العوالي

فلست بخالد أبد الدهـــور

والغرض من حديثنا عن أولئك الشباب الذين تولّوا أموراً جليلة القدر عظيمة الشأن،

فقاموا بأعبائها خير قيام _ أن نستنهض همم أبنائنا للأخذ بأسباب قوة الفكر، وسعة الدراية لأول عهد التمييز، ولمواصلة السير في سبيل السيادة بجد وحزم؛

لكي نراهم وهم في ريعان الشباب قد بلغوا بجودة النظر واستقامة السيرة أن كانوا موضع آمال الأمة، يعملون لسلامتها، والاحتفاظ بعزتها.

وواجب على ولي أمر الناشئ أن يشعره بأن بلوغ الفتى المنزلة المحمودة في السيادة وهو في مقتبل العمر _ ليس بالأمر المتعذر أو المتعسر.

وليس من شك في أن هذا الشعور يريه السيادة قريبة التناول، فيشمر عن ساعد الجد، وسرعان ما يبلغ ذروتها.

ومن أدرك السيادة في عنفوان شبابه، فإن مات مات سيداً، وإن عاش إلى زمن الكهولة أو الشيخوخة، كانت سيادته أطول عماداً، وأرفع ذكراً، وأطيب ثمراً .

نهاية المقال : شباب الملوك .. نهوض الشباب بعظَائِم الأمُور للعلامة الشيخ محمد الخضر حسين

الهوامش

(١) مجلة الهداية الإسلامية، وكتاب الدعوة إلى الإصلاح ص119.

(٢) يعني: أقرانك.

(٣) السِّيد:الذئب، تقول العرب:سيد الغضا، كما قال طرفة في معلقته المشهورة:

وكرِّي إذا نادى المضاف مُحنباً كسيد الغضا نبَّهته المتوردِ

يقول: إن مما أفتخر به: أني أَكُرُّ وأنهض إذا استجد بي المهموم، وأركب فرساً محنباً _ وهو الذي تقوست رجلاه وهي خصلة محمودة في الفرس _ .

وحالي هذه كسيد الغضا _ وهو أخبث أنواع الذئاب _إذا انتبه لورود الماء (م).

#اسماء_مقالات_مميزة

#مقالات_في_الشباب

#محمد_الخضر_حسين

اسماء مقالات مميزة : المقالات المختارة لأبرز كتّاب المقالة العربية المجموعة الثانية

اقرآ الكتاب على موقع المكتبة العربية الكبرى

 

Exit mobile version