فوائد تتعلق بالمدرسة .. من تنبيهات الطنطاوي على مسيرة التعليم
خامساً : فوائد تتعلق بالمدرسة .
كانت المدارس كالبئر ضيقة الفوهة ، ولكنها عمية القرار ، فصارت كالبركة الضحلة واسعة الرقعة ، لكنها قليلة العمق .
(ذكريات – 1 صفحة 114)
* * *
كانت المدارس النصرانية فقد فتحت لأهلها ، ولم يكن لأبنائها مكان فيها ، ولكنها امتلأت على مرا لسنين بأبناء المسلمين ، بحجة تعلم اللغة الأجنبية . وهذا ه الحجة الواهية التي لا تثبت للنظر ولا للتمحيص ، قد جرت علينا شرا كبيرا .
أما المدارس الأهلية فكانت هو الأقوم سبيلا ، والأكثر عددا ، . وكان يملكها آحاد من الناس ، ما للحكومة دخل في وضع مناهجها ، ولا في إدارتها ن ولا في اختيار معلميها وأساتذتها .
وكانت تحرص على تلقين الطلاب العلوم الإسلامية ، وتعويدهم على أداء الواجبات والبعد عن المحرمات ، ولكنها كانت تسلك في التربية ، وفي أساليب التدريس ، أسوأ السبل .
تقدمت الدنيا وارتقى التعليم فيها وهي في مكانها ، لا تشعر بهذا التقديم ، ولا تحس هذا الارتقاء .
وكانت الشدة والقسوة هي الطريقة المختارة فيها ، وكان الفلق (التي تسميها العامة الفلقة أو الفلكة) وعصا الخيزران هما عنوان تربية الأولاد ، وكانت هذه المدارس درجات :
أدناها “الخجة” والخجة امرأة تعلم في بيتها ، يأتون إليها بالأطفال لتحفظهم قصار السور ، أو تلقنهم حروف الهجاء ، وتكون غالبا أمية ، أو شبه أمية ، شمت رائحة العلم ، ومشت في طريقه خطوة واحدة .
وربما وجدت “خجة” على شيء من المعرفة والإدراك ، وذلك قليل .. فقد كان عندنا في حي الصالحية في دمشق خجة ، عندها مدرسة أولية ، فيها أكثر من مائة وعشرين تلميذا ، مقسومين إلى ثلاث شعب ، يقعدون على مثال مقاعد المدرسة ، ويدرسون مثل ما يدرسه تلاميذ المدرسة .
وأرقى من الخجة “الكتاب” ولي تجربة فيه كتبت عنها كثير من المقالات ، ولكني نسيت أن أودعها هذه الذكريات .
أدخلني جدي إليه قبيل إعلان الحرب الأولى ، وأنا طفل ما أحسب أني جاوزت الخامسة إلا قليلا ، فلبثت في هذا الكتاب من بعد صلاة الظهر ، إلى أن كان الانصراف بعد العصر .
ساعات أو ثلاث ساعات ، مر عليها الآن ثلاث وسبعون سنة ، وكلما تذكرتها ، أحسست الرعب الذي أصابني فيها ، والألم الذي دخل علي منها والشقاء الذي استهللت به حياتي العلمية .
فماذا يكون مبلغ العذاب الذي مر عليه أكثر من سبعين سنة ، ولا تزال مرارته في قلبي ، ولا أزال كلما ذكرته كأنني أراه أمامي ! .
وفوق ذلك مدراس ابتدائية منظمة عرفتها تلميذا ثم علمت في أكثرها . .
(ذكريات – 5 – صفحة 256، 257 )
* * *
#علي_الطنطاوي