Site icon حديقة المقالات

ظاهرة التخنث الاسباب والعلاج 4-4

ظاهرة التخنث الاسباب والعلاج ، مسؤليات تقع على عاتق الفرد المبتلى ، ومسؤليات تقع على عاتق المجتمع في سبل العلاج والمواجهة

ظاهرة التخنث الاسباب والعلاج 4-4

المشكلة – الاسباب – دليل الحرمة – فلسفة التحريم – المعالجات

بقلم: أسعد الجوراني

7- سبل العلاج .. واجبنا وواجبهم

وفي بيان سبل العلاج والمواجهة، فإنّ هناك مستويين من المسؤوليات:

مسؤليات تقع على عاتق الفرد المبتلى بهذا العمل،

ومسؤليات تقع على عاتق المجتمع والجهات المختصة والمسؤولة، وسوف أبيّن هذه المسؤوليات ضمن النقاط التالية:

أولاً: الخطاب الجاذب

علينا أن ندرس جيداً الأسلوب الأجدى في خطاب الشاذين، لأنّ غايتنا ليست هي رجمهم ولا قتلهم،

لا قتلاً مادياً ولا معنوياً، وإنّما غايتنا هي إحياؤهم روحياً ومعنوياً،

وإنقاذهم من براثن الشذوذ ومخالب الانحراف.

والأسلوب الجاذب والمحبب، هو الذي يمكن أن يفتح قلوب هؤلاء على الاستماع إلينا،

ويجعلهم على استعداد لتقبّل كلامنا وأدلتنا، لأنّ المشكلة أنّ من كان مبتلى بهذا الأمر،

فإنّه لا يصغي إلى منطق الأدلة، بقدر ما يصغي إلى أحاسيسه الخاصة ورغباته الملحة،

ويحاول أن يفتش عن مبرر أو غطاء شرعي لعمله. ولهذا، لا أعتقد أننا نخطئ إذا ما قلنا:

إنّ المطلوب أن نتفهَّم وضع هؤلاء، ونقدّر معاناتهم، والتفهّم لا يعني أن نبرّر لهم ذلك، أو نعطيهم شرعيَّة لعملهم.

ثانياً: تضافر الجهود

ومن الضروري أن تتسارع البحوث التخصصيّة المتصلة بمسألة الشذوذ الجنسي،

سواء ما يتصل منها بالعلاج النفسي أو العلاج العضوي،

ليتم بذلك إيجاد حلول عمليّة لمعاناة هذه الفئة من الناس، الذين يشعرون لسبب أو لآخر بميول غريزية إلى جنسهم،

لا إلى الجنس الآخر، وإنّ المساعدة في إيجاد حلول لهؤلاء، هي من أفضل الأعمال التي ينبغي العناية بها،

والتَّشجيع عليها، لأنّه لا يكفي أن ندين الشذوذ الجنسي، ونجرّم الشاذين جنسياً، دون أن نسعى لإيجاد حلول لمشاكلهم،

وأن نعينهم على التخلّص من معاناتهم، وأن ننفتح عليهم،

لنقدّم لهم النصائح التربوية والأخلاقية التي تشدّ من أزرهم

وتمنحهم الثبات أمام إغراءات النفس الأمارة بالسوء، ونبيّن لهم أنّ مجاهدتهم لهذه النفس،

وعدم الانسياق مع الغريزة في شذوذها وانحرافها،

هو عمل فيه ثواب كثير وأجر جزيل عند الله تعالى، بل إنّ هذا في حقيقة الأمر،

هو أحد ميادين مجاهدة النفس، والتي هي الجهاد الأكبر، كما عبر الحديث النبوي الشريف.

ثالثاً: العمل المؤسّسي المتخصّص

وإنّي أعتقد أنّ عدم توجّه المؤسَّسات الإسلاميَّة، وعدم عنايتها بهذه الفئة القليلة من الناس،

وترك الأمر لغير الملتزمين دينياً ليتابعوا مشكلة هؤلاء، سوف يزيد من تفاقم المشكلة في مجتمعاتنا،

ولهذا، ندعو إلى إنشاء مؤسَّسات تُعنى بأمثال هؤلاء،

وتعمل على تحصينهم روحياً وتربوياً، وتدرس أوضاعهم بشكل علميّ، في سبيل الأخذ بأيديهم إلى برّ الأمان،

تماماً كما أنَّ علينا العمل أيضاً على إنشاء مؤسَّسات تُعنى بمعالجة مشاكل الإدمان على المخدرات،

أو غيرها من المشاكل.

في ضوء هذه النظرة، فإنّ معالجة المشاكل الاجتماعية والعادات الشاذة والمنحرفة،

تعني أنّ من الضروري أن تتضافر الجهود، ويستعان بشتى الخبرات الدينيّة والنفسيّة والاجتماعيّة والتربويّة والإعلاميّة،

في سبيل محاصرة هذه العادات، والحدّ من تأثيرها،

وذلك بمواجهتها على مستوى المقدمات والأجواء التي تهيئ الأرضية الخصبة للانحراف وتساعد عليه.

رابعاً: النظر إلى القضية باعتبارها ابتلاءً

ويجدر بنا في أسلوب الخطاب الديني، أن ندرح هذا العمل في نطاق ما يعرف بالابتلاء،

والابتلاء يعني الامتحان والاختبار، وعندما يبتلى العبد بشيء مرضي أو نحوه، فإنّ ذلك لا يعني الاستسلام للأمر الواقع، بل يجدر بنا السعي للتغلب على المشكلة بشتى الوسائل،

ومن ذلك، اللجوء إلى أهل الخبرة والاختصاص، كما أنّ تصنيفه في عداد الابتلاء،

لا يعني الاعتراف بأنّ الله تعالى هو الفاعل المباشر لذلك، فقد ذكرنا سابقاً،

أنّ الإنسان هو المسؤول عن معظم حالات الشذوذ بشكل أو بآخر،

ولكن ذلك لا يلغي ولا ينفي حقيقة أن المسألة تقع في دائرة القضاء والتقدير الإلهيين،

والله تعالى كما يبتلي العبد بما يفعله به بشكل مباشر أو بواسطة الأسباب، فإنه قد يبتليه بما يجنيه العبد على نفسه.

وإنّ تفسير هذه الظاهرة باعتبارها ابتلاءً إلهياً يعني:

1- أنّ على العبد أن لا يتعامل مع الموضوع بنوعٍ من الإحباط واليأس،

أو ينظر إلى ذلك باعتباره “انتقاماً إلهياً” منه، وإنّما هو اختبار له يراد من خلاله صقل شخصيّته،

واختبار صبره وإيمانه، وعليه أن يلتفت إلى حقيقة،

وهي أنّه إذا كان قد ابتلي بمثل هذا الابتلاء؛ (الميل إلى العلاقة مع أبناء جنسه)،

فإنّ هناك من يبتلون بأشكال وأنواع أخرى من الابتلاء، فمنهم من يبتلى في صحته،

ومنهم من يبتلى في ماله، ومنهم من يبتلى في ولده، وما إلى ذلك من أشكال الابتلاء،

وإذا تعاملنا مع هذه المشكلة بعنوان أنّها ابتلاء، فهذا سيخفف من وطأتها على أنفسنا،

ويدفعنا إلى التوجه إلى الله تعالى، ليساعدنا على التخلّص منها.

2- كما أنّ إدراج المسألة في نطاق الابتلاء، سيدفع نحو القناعة والرضا بما قسمه الله تعالى للإنسان،

وهذه فضيلة مطلوبة، وأهميتها أنّها ستحول دون أن يقع الشخص المبتلى بفخ الاحتجاج أو الاعتراض على إرادة الله،

أو التحرك في أسلوب معالجة المشكلة إلى الطرق الخاطئة.

وإنّي على يقين بأنّ صبر المبتلى على هذا البلاء، وعدم انسياقه مع هوى النفس الأمارة بالسوء،

وعدم خضوعه لشتى الإغراءت المحيطة به، هو نوع جهاد في سبيل الله تعالى،

وأنّه إذا توكَّل على الله، وانفتح عليه بكلّ مشاعره وكيانه، معتمداً أسلوباً خاصاً في المجاهدة الروحيّة،

مع الابتعاد عن رفقاء السوء الذين يزيّنون له الأمور، أو يهوّنون له الخطب،

فإنّه سيصل بعون الله إلى خاتمة سعيدة لمشكلته، ولا ريب في أنّ الله تعالى لن يتخلّى عمن توّجه إليه،

بل سيمدّه بالمساعدة والعون، قال تعالى: {الَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت 69].

خامساً: تهيئة الأجواء

ومن الضَّروري أن يهتمّ الشَّخص المبتلى بهذا الابتلاء ـ إضافةً إلى ما تقدّم من أهمية الاستعانة بالله تعالى والتوكّل عليه ـ باختيار أصدقائه وانتقائهم،

فإنه لن يتسنى له الخروج من هذا المأزق، إذا كان أصدقاؤه من الشاذين جنسياً،

أو المنحطين أخلاقياً وروحياً،

وإذا كانت رفقة السوء تعدي، وهي أحد مداخل الانحراف والفساد الأخلاقي،

فإنّ التخلي عن هذه الرفقة، هو الشرط الأساس لنجاح الإنسان في الخروج من بوتقة الانحراف،

ومن هنا، يجدر به أن يبادر، وبكل جرأة، إلى مقاطعة هذه البيئة السيّئة، واستبدالها ببيئة صالحة ورفقة خيرين،

ففي الحديث عن أمير المؤمنين(ع): “صحبة الأخيار تكسب الخير، كالريح إذا مرّت بالطيب حملت طيباً، وصحبة الأشرار تكسب الشر، كالريح إذا مرّت بالنتن حملت نتناً”[9].

وهكذا، فإنّ من المفترض بالشَّخص المبتلى، أن يعمل على سدّ كل المنافذ المؤدية إلى الانحراف والمساعدة على ارتكاب الفاحشة،

من قبيل النظر إلى الأفلام التي تروج للانحراف، أو تشتمل على مشاهد ممارسة الشذوذ،

ويشتغل بدلاً من ذلك، بما ينمي مناعته الروحية، أو يثري عقله وفكره، ويشغل أوقات فراغه بالعمل النافع.

ومن المهم والمفيد أيضاً، أن يعمل الأشخاص المعالجون والتربويون ـ إضافةً إلى تنمية القيم الأخلاقيّة لدى المبتلى،

ولا سيّما قيمة الحياء،

والَّتي تدفع تلقائياً إلى اجتناب العلاقة الجنسيَّة الشاذة ـ على تطوير إحساس تنفيري من هذا العمل القبيح لدى الشَّخص المبتلى بذلك

المصادر

[1] [الشعراء: 165، 166].

[2] [المؤمنون: 5 ـ 7].

[3] كنز العمال، ج 5، ص 316.

[4] يراجع وسائل الشيعة، للحر العاملي، ج٢٠، ص ٣٤٤، فقد أورد ما يزيد على عشر روايات تدل على ذلك.

[5] الكافي، ج 5، ص 552.

[6] انظر: وسائل الشيعة، ج 20، ص 342، الباب 25 من أبواب النكاح المحرّم.

[7] انظر: من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 9.

[8] الكافي، ج 7، ص 202.

[9] عيون الحكم والمواعظ، ص 304.

علي الساعدي

Exit mobile version