ظاهرة التخنث الاسباب والعلاج ، الميول المثليّة، ليس ثمّة ما يثبت بشكل حاسم وكلي، أنّها ناشئة من خلل جيني تكويني، بل إنّ الكثير منها ينطلق من حالة انحراف وقع فيه الشاذ باختياره
ظاهرة التخنث الاسباب والعلاج 3-4
المشكلة – الاسباب – دليل الحرمة – فلسفة التحريم – المعالجات
بقلم: أسعد الجوراني
6- هل ظلم الشَّرع الشّاذين؟
وربما يقال: أليس من الظلم دعوة الشاذين إلى التكيّف مع الوضعيّة الطبيعيّة، والتزوّج من الجنس الآخر،
مع أنّهم لا يجدون ميولاً أو رغبة في ذلك؟ ثم أليس من الظلم معاقبة إنسان على أمر ليس من اختياره،
لأنّ ميل هؤلاء هو إلى جنسهم، أعني ميل الذكر إلى الذكر، والأنثى إلى الأنثى،
وهذا أمر لا إرادي ولد معهم؟ فكيف يعاقبون على تجاوبهم وتماهيهم مع أمر غرسه الله فيهم؟
وإن شئت القول: إنّ الشاذين قد ظُلموا مرتين، مرة عندما خلقوا وهم يحملون ميولاً شاذة على خلاف سائر الناس،
ومرّة أخرى عندما طَلَبَ منهم خالقهم، أنّ يكبتوا ميولهم، محرِّماً عليهم الانسياق معها،
فثمَّة ظلم تكوينيّ لحق بهم، وآخر تشريعيّ.
والجواب على ذلك:
أولاً: إنّنا لا نوافق على أنّ ثمة ظلماً تكوينياً (من قبل الخالق تعالى) لهؤلاء، والوجه في ذلك:
أ- إنّ الميول المثليّة، ليس ثمّة ما يثبت بشكل حاسم وكلي، أنّها ناشئة من خلل جيني تكويني،
بل إنّ الكثير منها ينطلق من حالة انحراف وقع فيه الشاذ باختياره، أو أوقع فيه من خلال اعتداء جنسي عليه،
فإنّ بعض الأشخاص قد ساروا إلى هذا العمل بأرجلهم وكامل إرادتهم،
كما أنّ البعض الآخر، ربما انجرّ إليه نتيجة هوس جنسي لديهم،
بمعنى أنّهم يرغبون في تجرّبة كل أشكال العلاقات الجنسية!
وهنا، تقع المسؤلية دون شكّ على عاتق الإنسان نفسه،
لأنّه اختار الانحراف عن خطّ الفطرة وخطّ التشريع، كما أنّ البعض الآخر من ذوي الميول المثليّة،
قد ابتلوا بذلك نتيجة عارض معين، كما لو حصل اعتداء جنسي عليهم وهم في سنّ الطفولة،
فأصبحوا يميلون إلى هذا النوع من العلاقات المنحرفة، نتيجة الاعتياد على ذلك.
وفي هذه الحالة، فإنّ هذا الانحراف، إنّما يتحمل مسؤليته الإنسان نفسه، بتجاوزه الحدود الشرعية،
واعتدائه على هذا الطفل، الذي أدخله في بوتقة الانحراف، ولا مجال لأن يُنسب الأمر إلى الله تعالى،
ولا سيّما أنَّ مشيئة الله تعالى جرت على أن يكون هذا العالم محكوماً لمبدأ السنن والقوانين،
فمن وضع إصبعه في النار، فلا بدّ من أن تحترق، ومن سقى غيره السمّ، فلا بدّ أن يتسبب بقتله..
وإذا حصل شيء من ذلك، فالمعتدي هو من يتحمل المسؤولية، وليس خالق القوانين.
ب- إنّ الميول المثليّة، لو سلّمنا أنها، أو بعضها على الأقل، ناتجة من خلل جيني،
ولكن على أيّ حال، لا يتسنى لنا القول إنّها تمثل ظلماً للشخص من قبل الخالق، باعتباره القادر على منع ذلك،
والوجه في ذلك، أنّ الله تعالى قد أجرى هذا الكون على أساس القوانين الحاكمة،
ولا يتدخّل سبحانه بشكل مباشر في تعديل بعض المسارات التكوينيّة الطارئة، حتى لو علم بذلك.
والقوانين، وإن كان من ميزتها عدم التخلّف،
لكن هذا إذا لم يحصل تخلّف في الأسباب والمقدمات والموانع،
والتخلّف المذكور قد يحصل نتيجة خطأ، ما أدى إلى الانحراف في مسار القانون الذي يحكم الظاهرة،
وهذا الخطأ قد يتسنى لنا اكتشافه، وفي هذه الحالة، ربما يستطيع الإنسان نتيجة تقدّم العلم، أن يتلافاها،
كما تلافى الكثير من الأمراض الوراثية، وقد لا يتسنى لنا اكتشافه، وعلى التقديرين،
فالله تعالى ليس هو علته المباشرة، وإن كان ينسب إليه، باعتباره خالق هذا النظام الكوني بقوانينه وظواهره.
ثانياً: إنّ منع ذوي الميول المثليّة من الانسياق مع ميولهم، ليس فيه ظلم تشريعي (من قبل المشرّع) لهم، وذلك:
أ- أنّ هذا الميل لا يبلغ حدّ الإلجاء والقسر وانتفاء قدرتهم على السيطرة على إرادتهم،
فرغم وجود هذا الميل لدى الإنسان، فإنّه يظل قادراً على عدم الانجراف معه،
تماماً كما يقدر الإنسان ذو الميل الطبيعي على عدم السقوط تحت ضغط الغريزة والارتباط الجنسي المحرّم بالجنس الآخر،
وذلك فيما لو لم يتسنَ له إقامة علاقة شرعية معه لسبب أو لآخر،
وكما لا نبرر لهذا الشخص (صاحب الميل الطبيعي)، إقدامه على الزنا،
فإننا لا نبرر لذاك إقدامه على ممارسة الشذوذ، ولا سيما أنّ الميول الشاذة قد يمكننا التغلب عليها، ولو بمشقة ومعاناة، من خلال العلاجات النفسية أو غيرها.
ب- إنّ المشرع الحكيم ـ كما قلنا ـ يراعي في تشريعاته المصلحة النوعية للإنسان،
وقد قدّر أنّ المصلحة النوعيّة، هي في إقرار مبدأ التزاوج بين الجنسين، وأمّا العلاقات المثليّة،
فلأنّه يترتب عليها الكثير من المضار النفسيّة والصحيّة والاجتماعيّة ـ كما قلنا ـ
لذا، فقد أصدر حكماً عاماً بمنعها وحظرها، حرصاً منه على مصلحة النوع،
حتى لو ذهب ضحية ذلك بعض الأشخاص، ممن سيضطرهم الحظر المذكور إلى التكيّف مع الوضع الطبيعي.
ت- وهذا الأمر لا يختصّ به المشرّع الإسلامي دون سواه، بل إننا نلاحظ في هذا المجال، أنّ المشرّعين كافة،
حتى الوضعيين منهم، لا يسمحون للرغبات الشاذة بأن تعبّر عن نفسها في مختلف الأحوال والظروف،
ألا ترى أنّ بعض الناس قد يكون لديه ميل إلى الممارسة الجنسية مع القاصرين من الذكور أو الإناث،
أو مع البهائم، أو مع الأرحام،
ولا تسمح القوانين كافة لهؤلاء، بأن يظهروا رغباتهم، ويمارسوا مشتهياتهم،
ولا يُصغى إلى مزاعمهم وادعاءاتهم بأنّ تلك الميول هي ميول لا إرادية بالنسبة إليهم؟!
علي الساعدي