Site icon حديقة المقالات

رسالة للمعلم : كلمات واعظة لأبنائنا المعلمين الأحرار (2) للعلامة محمد البشير الإبراهيمي

رسالة للمعلم

رسالة للمعلم : كلمات واعظة لأبنائنا المعلمين الأحرار (2) للعلامة #محمد_البشير_الإبراهيمي وهذا هو الجزء الثاني من هذه الرسالة في مقال جاء في 935 كلمة سوى الهوامش و 86 فقرة نبه فيه إلى خطورة الغرور على الطالب كما وجه فيه الشيخ رسالته إلى المعلمين بصفتهم القدوة و حراس ثمرات الأمة ومهندسو نفوس أبناء الجيل في كل مراحل الحياة ، وفيه توجيه لهم بسلوك مسلك العلماء في استمرار تحصيل العلم واتباع القواعد الأصولية في التطبيق العملي للعلم

رسالة للمعلم : كلمات واعظة لأبنائنا المعلمين الأحرار (2) للعلامة محمد البشير الإبراهيمي

محمد البشير الإبراهيمي

كلمات واعظة لأبنائنا المعلمين الأحرار(1)

للشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي

إن هذه الأمة _ يا أبنائي _ هي أمتنا، وهي رأس مالنا شئنا أو أبينا،

وهي عوننا على العلم، وهي مدَدُنا وملاذنا، وهي نصرتنا ومعاذنا، وهي مناط قوتنا(2)، ومظهر أعمالنا؛

فعلينا أن نراعي شعورها في غير واجب يترك، أو محرم يؤتى، وأن نسير بها إلى الغاية في رفق وأناة.

لا أقول لكم: سايروها على الباطل، وجاوروها في البدع، وواطئوها على الضلال؛

فذلك ميدانٌ وَقَفْنَا فيه قبلكم موقف المُنْكر المتشدّد،

ونازلنا أبطال الباطل حتى زلزلنا أقدامهم، ونكسنا أعلامهم، وقد أرحناكم ومهدنا لكم السبيل.

وإنما حديثنا فيما دون ذلك، مما مرجعه العادة لا الدين، وسبيله العرف لا السنة، ودرجته الكمال لا الضرورة.

ولنا في نبينا “القدوة الحسنة؛ فقد كان يجاري العرف الجاري ما لم يناقض عقيدة دينية أو حكماً شرعيّاً،

وإذا توقف إصلاح الأمة على هجر الشهوات، والإمساك عن بعض المباحات

فمن الواجب أن يقدم حظ الأمة على حظ النفس.

أنتم جنود العلم، ولكلمة جندي معنى يبعث الروعة، ويوحي بالاحترام، ويجلب الشرف، ويُغلي القيمة؛

لأنه في غاية معناه حارس مجد، وحافظ أمانة، وقيّم أمة؛

لذلك كان من واجبات الجندي الصبر على المكاره واللزبات،

والثبات في الشدائد والأزمات،

والسمع والطاعة فيما يغمض على الأذهان فهمه من العلل، ويعسر على العقول هضمه من الحكم؛

فإذا استرسل الجندي في الجزع والشكوى، أو خانه الصبر فلاذ بالضجر أخطأ النصر، وضاع الثغر.

وإنما أنتم حراس دروب، ومُرابِطَةُ ثغورٍ؛ فاصبروا واثبتوا،

وقد كفيناكم سداد الرأي؛ فهاتوا سداد الإرادة، وسداد العمل.

رسالة للمعلم : ممثلو جمعية العلماء

وأنتم ممثلو جمعية العلماء في ناحية من أهم أعمالها، وهي التربية والتعليم،

فكل واحد منكم صورة مصغرة من الجمعية في نظر الأمة،

وجمعية العلماء هي رمز الدين الصحيح، وهي حارس الفضيلة الإسلامية،

وهي المثال المفسر للحكمة المحمدية بأحسن تفسيراتها،

وهي المثل المضروب في مقاومة الباطل والمبطلين، وهي مظهر القدوة الدينية اعتقاداً وعملاً؛

فهي _ لذلك كله _ ملءُ سمع الأمة وبصرها، وهي الأريج المتضوّع بسمعة الجزائر في العالم الإسلامي؛

فكونوا _ في مظهركم ومخبركم _ أمثلة صحيحة منها،

واعلموا أن كل زلة منكم _وإن صغرت_ محسوبةٌ على جمعية العلماء، منسوبةٌ إليها.

وفي وطنكم موجة من الإلحاد، جاءت في ركاب الثقافة الغربية،

ومكَّن لها القصد الصحيح من غايات الاستعمار،

ومهد لها في نفوس هذا الجيل جهله بحقائق الإسلام، وضعف صلته بالله.

وإنّ تساهلكم في إقامة شعائر الدين،

أو استخفافكم بأحكامه معين على تفشي الإلحاد في الجيل الجديد الذي تقومون على تربيته؛

فاحذروا الظهور بمظهر المستخف بالدين،

ولو في فلتات اللسان؛ فإن لكل فلتة، ولكل كلمة تصدر منكم أثراً في نفوس تلاميذكم؛ لأنكم محل القدوة عندهم،

ولأن زمنهم يتبرع بالباقي، فإذا وجد العون منكم كان أجود بالشر من الريح المرسلة.

وفي زمنكم عارض من انحلال الأخلاق؛ بعض أسبابه في الواجدين الاسترسالُ في الشهوات،

وبعض أسبابه في المعدمين التشوّفُ إليها، وأكبر أسبابه في الجميع الاستعمار وأساليبه في علاج المرض بالموت،

وغسل النجيع بالرجيع؛ فعالجوا هذا الداء قبل حلوله في نفوس الصغار بتقوية العزائم والإرادات فيهم،

وبتعويدهم الصوم عن الشهوات، وبتحبيب العمل إليهم،

حتى إذا انتهوا إلى الحياة العملية اقتحموا ميادينها بنفوس غير نفوسنا،

وهمم غير هممنا،

وعزائم غير عزائمنا،

وإرادات غير إراداتنا،

وقدرة على كبح الغرائز الشهوانية غير قدرتنا.

رسالة للمعلم : حراس الجيل

أنتم حراس هذا الجيل الجديد، والمؤتمنون عليه، والقوَّامون على بنائه،

وأنتم بناة عقوله ونفوسه؛ فابنوا عقوله على أساس من الحقيقة، وابنوا نفوسه على صخرة من الفضائل الإنسانية، وأشربوه عِرْفانَ قيمتها؛

فإن من لم يعرف قيمة الثمين أضاعه،

وقد غُبِنَتْ هذه القيم في عصركم فكان ما ترون من فوضى واختلاط.

ربوهم على ما ينفعهم، وينفع الوطن بهم؛

فهم أمانة الوطن عندكم، وودائع الأمة بين أيديكم.

ربوهم على التحاب في الخير، والتآخي في الحق، والتعاون على الإحسان،

والصبر إلا على الضيم، والإقدام إلا على الشر، والإيثار إلا بالشرف، والتسامح إلا بالكرامة.

ربوهم على استخدام المواهب الفطرية من عقل وفكر وذهن،

وعلى صدق التصور، وصحة الإدراك، ودقة الملاحظة، والوقوف عند حدود الواقع.

هناك حدود مشتركة بين الضار والنافع من أعمالكم؛ فتبينوها ثم اعملوا على قدرها،

ولا تجاوزوا حدَّاً إلى حد؛ فتضروا من حيث قصدتم إلى النفع؛

فمدح المجتهد من تلامذتكم مُذْكٍ للنشاط، كما هو مدعاة إلى الغرور،

والفصل بينهما رهينُ لفظةِ مدحٍ مقدرة أو مبالغ فيها منكم؛

ولأن تخمدوا نشاطاً خيرٌ من أن تشعلوا غروراً في نفس التلميذ؛

إن النشاط قد يعاود، ولكن الغرور لا يزايل،

وإن الغرور لأعضل داء في عصركم،

وإن صنفكم لأكثر الأصناف قابلية لهذا الداء، لما فيه من إيهام بالكمال في موضع النقص، وتمويه للتخلف بالتقدم، وتغطية للسيِّئ بالحسن.

وهذه مَحسَّات الغرور في نفوس المغرورين، والغرائز ضارية، والتجارب فضّاحة،

والصراع بينهما كان ولا زال ولا يزول؛ فاحذروا الزلة في هذا المزلق، وحذّروا تلامذتكم منها بالقول والعمل.

رسالة للمعلم : بناء الأمور على أسبابها

ربوهم على بناء الأمور على أسبابها، والنتائج على مقدماتها علماً وعملاً،

واعلموا أن العلم يبدأ مرحلته الأولى من هذه البسائط التي تقع عليها حواسكم في الحياة كل لحظة؛

فتحتقرونها، ولا تلقون لها بالاً مع أن مجموعها هو العلم إذا وجد ذهناً مُحَلِّلاً،

وهو الحياة إذا وجدت عقلاً مفصِّلاً.

بيِّنوا لهم الحقائق، واقرنوا الأشباه بالأشباه، واجمعوا النظائر إلى النظائر،

وبيِّنوا لهم العلل والأسباب، حتى تنبت في نفوسهم من الصغر ملكة التعليل؛

فإن الغفلة عن الأسباب هي إحدى المهلكات لأمتكم، وهي التي جرّت لها هذه الحيرة المستولية على شواعرها،

وهذا التردد الضارب على عزائمها، وهذا الالتباس بين المتضادات في نظرها.

امزجوا لهم العلم بالحياة، والحياة بالعلم يأتِ التركيبُ بعجيبة،

ولا تعمروا أوقاتهم كلها بالقواعد؛ فإن العكوف على القواعد هو الذي صير علماءنا مثل  القواعد ،

وإنما القواعد أساس، وإذا أنفقت الأعمار في القواعد فمتى يتمّ البناء؟

ربوهم على أن يعيشوا بالروح في ذلك الجو المشرق بالإسلام وآدابه وتاريخه ورجاله،

ذلك الجو الذي يستوي ماضيه ومستقبله في أنهما طرفا حقٍّ لا يشوبه الباطل،

وحاشيتا جديدٍ لا يبليه الزمن،

وعلى أن يعيشوا بالبدن في هذا الزمن الذي يدين بالقوة، ويُدِلّ بالبأس،

وعلى أن يعيشوا بالروح في ذلك الزمن المشرق العامر بالحق والخير والفضيلة،

وعلى أن يلبسوا لبوسَ عصرهم الذي يبني الحياة على قاعدتين:

إن لم تكن آكلاً كنت مأكولاً ! و كن قويًّا تحترم .

نهاية مقال : رسالة للمعلم

الهوامش

(1) نشرت في العدد 133 من جريدة البصائر، 23 أكتوبر سنة 1950م،

وانظر آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي 3/ 270 _ 272.

(2) لو قال: بعد الله (م).

#مقالات_عربية_رائعة

#مقالات_في_التربية_والتعليم

#محمد_البشير_الإبراهيمي

مقالات عربية رائعة : المقالات المختارة لأبرز كتّاب المقالة العربية (٣)

 

 

اقرآ الكتاب على موقع المكتبة العربية الكبرى

 

Exit mobile version