جهاد المالكي .. فتى من زمن الصحابة ، الكاتبة نورة بنت عبدالرحمن الكثير تتطرق لقصة الشاب جهاد متعب المالكي كنموذج لشاب لم تمنعه إعاقة فقد البصر من التميز
جهاد متعب المالكي .. فتى من زمن الصحابة
نورة بنت عبدالرحمن الكثير
نقرأ كثيرًا عن حال نساء السلف الصالح مع أبنائهنَّ، وتربيتِهنَّ لهم على العناية بحفظ كتاب الله وسنة نبيِّه،
فقد كان هذا ديدنَهن ومنهجَهن الذي لا يَحِدْنَ عنه قِيدَ أُنملة، كما هو الحال مع والدة الشيخ الجليل أحمد بن حنبل رحمه الله،
وتحفيظها له القرآنَ وهو في العاشرة من عمره، حتى فرَّت الوساوس والشياطين من صدره،
وكيف كانت تحمِّي له الماء وتوقظُه قبل صلاة الفجر،
ومن ثَم كانت تتخمر وتتغطى بحجابِها، وتذهب معه إلى المسجد؛ لأن المسجد بعيد،
ولأن الطريق مُظلمة، حتى أصبح بفضل الله ثم بفضل والدته العظيمة عابدًا له شاكرًا لنعمائه.
والتاريخ يزخر بأمثال هؤلاء العلماء الأجلَّاء،
ولكن في زمننا هذا يتملَّكنا العجب، وتعقد لسانَنا الدهشةُ، وتغمرنا الفرحة عندما نرى أو نقرأ عن فتية في هذا الزمن يسيرون على خطى السلف الصالح،
ونرى في سيرهم وقصصهم ما يستحقُّ الوقوفَ عليه والإشادة به؛ كقصة الفتى “جهاد المالكي”
الذي أتتْ والدتَه آلامُ المخاض وهي حامل به ولم يكمل حملها الشهر السابع بعدُ،
وبعد وصوله إلى هذه الدنيا مبكرًا يمكث في حضَّانة حديثي الولادة حوالي الشهر،
فيقدِّر الله أن يتسبَّب خطأ طبي في أن يفقد جهاد بصره؛
استقبلت والدته المؤمنةُ هذا الخبرَ بقلبٍ صابر، ولسان لاهجٍ،
رافعة كفَّيها داعية متضرعة بأن يعوِّض الله ابنَها خيرًا،
بأنْ كما أخذ نور عينيه أن يعوِّضه بنور قلبه وبصيرته،
فآتاها الله سُؤْلَها، وأجاب طَلِبَتَها، حتى لاحظت فطنةَ صغيرها ونباهتَه على الرغم من صغر سنه؛
فألحقته بحلقة تحفيظ القرآن وهو في الخامسة من عمره،
فحفظ كتاب الله خلال سنتين من التحاقِه بالحلقة، كما أنه أتقن الإنجليزية وهو بعمر السادسة،
ويسرع في مدرسته إلى الصف الذي يليه لسرعة بديهته وذكائه، وتغلُّبه على فقدان النظر.
ويلمس والدته ووالده توجهات ابنهما الدينيةَ،
فيواصلان احتضان تلك التوجهات بتشجيعه على حفظ أحاديث السُّنة النبوية على يد العلماء الثقات،
فيحفظ الأحاديث كاملة بالسند والمتن وهو ابن الرابعة عشر؛
ليصبح بفضل الله ومنَّته من حفَظة الوحيَيْنِ، فكان لهذه الأم العظيمة ما أرادت بأنْ أعلى اللهُ شأن ابنها بحفظ كتابه وسنة نبيه،
فقد أدهش الإعلام عبر القنوات الفضائية بهدوئه، وحسن خلقِه، ونجابته،
وقدرته العالية من خلال تسميع القرآن للجنة التحكيم، وتلاوة الآيات بالرقم واسم السورة!
وجهاد في أكثر من لقاء معه يذكُرُ أن والدته هي من كانت تحفِّظه القرآن الكريم، وتهيئ له الأخذ بأسباب التميز والنجاح.
يا مدرسة يعجز عن وصف شمائلك اللسان!
يا روضًا نداه يورق خضرة كبهاء البستان!
سطرت لابنك الأمجاد بحفظه القرآن!
وكنت عونًا له يتلو بفصاحة وبيان!
جهاد الآن يتمنى ألَّا ينعتَه أحد بكفيف،
فباقي جوارحه لم تكفَّ لحظة عن حمد الله وشكره،
والعمل بمقتضى تلك الجوارح، ولا أن يطلق عليه “أعمى”؛ فهو فقد النظر،
ولم يفقد نعمةَ البصر والبصيرة التي لا يعادلهما نعمة؛
ليُثبت لمن حباه الله نعمة النظر أن كتاب الله يحفظه الإنسان العاقل بقلبه أولًا،
وتعينه بقية جوارحه على تدبُّره ثانيًا.
اللهم انفع به وبعلمه الأمة الإسلامية، واجعله ذخرًا لوالديه، شفيعًا لهما ترفع به درجاتهما، واحفظ شباب المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
قصة الفتى جهاد متعب المالكي بتصرف يسير.
نورة بنت عبدالرحمن الكثير