من دمشق إلى الرياض مقال بقلم الكاتب أ. مضر العباس يحكي تجربة ومقارنة تعكس الوجه المشرق لكلا البلدين بأسلوب أدبي
من دمشق إلى الرياض
بقلم مضر العباس
اثنتا عشر عاما ، عشتها في السعودية ،
و لأنني كنت هناك ،
لم أستطع أن أكتب رأيي بها بحرية و استقلالية ،
فلو امتدحتها و أنا مقيم فيها ، لقال عني كارهوها : متزلف ، و منافق ..
و لو ذممتها لقال عني مواطنوها و محبوها : جاحد و ناكر للجميل ،
و الآن ، و بعد عام من مغادرتي أكتب :
في الرياض ، عشت مراهقتي و شبابي ،
هناك تزوجت ،
هناك رزقني الله بابنتيّ و قرة عيني ،
و هناك نضجت و صرت رجلا .
هناك ..
سألني أحدهم – في وقتٍ لم يكن فيه من مواقع التواصل سوى YouTube – بشيءٍ يشبهُ اللمز عن مقاطع مصورة للرقص في دمشق ،
اجتهدت حينها في دفاعي عن مسقط رأسي ،
فحدثته عن دمشق
عن قاسيون ، و المسجد الأموي و عن بردى ، حدثته عن محطة الحجاز و سوق الحميدية ،
عن رحابة صدور أهل دمشق ،
و حبهم للضيف ، و طيب نفوسهم .
حدثته عن شعراء دمشق و فنانيها ، و أصحاب المهن اليدوية في التكية السليمانية ،
عن هوائها و أشجارها ،
كنت أحدثه عن كل جميل هناك ،
و عن تاريخ دمشق ،
ليعلم أن المراقص ليست دمشق ،
و أن الراقصات لسن نساء دمشق ،
و ليعلم أنهنّ لا يمثلن إلا فسقهن .
بعد عقد من الزمن ..
غادرت الرياض إلى أجل غير مسمى ،
في زمن فيه الكثير من مواقع التواصل ،
سألني أحدهم في بلاد غريبة بشيءٍ يشبهُ اللمز ، عن رهف و عن دانا ، و سلوى ،
و عن مقاطع رقصٍ انتشرت لفتيات سعوديات ،
سألني عن رجالٍ و نساء بطروا بالنعم ،
و وثّقوا بطرهم و فسقهم ،
عن فتيات هربن من بيوت ذويهن طمعاً بالحرية ،
حرية العري ، الإدمان ، و الانحدار ..
فحدثته عن الرياض ،
عن جوامع تنضح بالمصلّين فتمتلئ الشوارع ،
عن خيامٍ توزّع الطعام للصائمين ..
عن نساءٍ لم يبطرن بالنعم ،
بل خلعن ذات يوم أساور و مجوهرات ثمينة ،
و أودعنها في صناديق التبرعات لغرباء أعيتهم الحروب ،
وعن رجالٍ يقضون ديون غرباءٍ لا يعرفونهم طمعاً بالأجر ..
و عن رجالٍ يرون العيب عيبا فيجتنبونه ،
و عن رجال يبحثون في الخفاء عن طريق يلتمسون فيه أجرا ،،
حدثته و ملح الحزن يخنق الصوت في حنحرتي ، عن ذكرياتي هناك ،
حدثته عن كل جميل في تلك البلاد التي لا يمثلها ذميم أو شاذ ..
و ليعلم أن نساء تلك البلاد لسن رهف و لا دانا ..
و ليدرك عيبنا في تعميم السوء ،
و ليعلم هناك أمة لازال الخير فيها حتى قيام الساعة .
#سقى_الأيام