بنَاتُنا لسن أَحْجَارًا على رُقْعَةِ الشطرنج…!
د .نيرمين ماجد البورنو
عندما يختلط الحابل بالنابل ونصبح لا نفرق بين فهمنا للموروث القيمي والحضاري وبين التخلف في الأدوات والتطبيق, فأصبحنا نفقد البوصلة في الفهم لهذه العادات والتقاليد ونمارس الارهاب المجتمعي في السلوك,
لا إنسانية قط في مقتل ” إسراء غريب ” والتي قُتلت بدم بارد بحجة العادات والتقاليد البالية التي أصبح يفسرها كل على ليلاه,
فلقد انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي أخبار تتحدث عن “جريمة شرف” أودت بحياة إسراء ابنة مدينة بيت ساحور في فلسطين, عن أي عار تتحدثون؟
فالعار الحقيقي هو المجتمعات الذكورية التي تخشى العار وتهذي بالطاهرة وهي تتعفن يوما بعد يوم لنرى جميع الانتهاكات الوحشية التي تمارس ضد المرأة علنا وبلا حرج,
والمصيبة الأكبر انهم يحولون أصابع الاتهام لها في مجتمع ينفش ريشة ويتباهى بالفحولة والقيم ويتغنى بالأخلاق وهو متأهب ليمحو عارة بيده وذلك بقتل المرأة واتهامها بالمرض النفسي وتلبس الجن,
أي عار يمحي بهذه الطريقة الوحشية القذرة في مجتمع يصاب الكثير به بالعقم الفكري والجهل المعرفي والتخلف!
إٍسراء غريب فتاة فلسطينية عمرها عمر الزهور “21 “تقدم لخطبتها شاب وكعادة أغلب العائلات خرجت معه بإذن من أمها وبرفقه أخته لكي تتعرف عليه أكثر
وقررت مقابلته في مكان عام بمطعم فقررت أن تتصور فيديو مع خطيبها ,
مجرد فيديو عفوي ونشرته على حسابها على الانستجرام لكن الأمر لم يعجب قريبتها فحرضت والد الضحية واشقائها عليها وشوهت سمعتها ,
وطبعا أهم ما في الموضوع انها لوثت ووسخت شرف العائلة كما يدعون,
فانهالوا عليها بالضرب وكسروا عمودها الفقري نتيجة الضرب والتعنيف,
وفسخوا خطبتها من الشاب, ودخلت المشفى بسبب الكسور وقاموا بضربها بالمشفى وصراخها يملئ المشفى بلا ضمير ولا انسانية وعندما اعترضوا الممرضات على فعلتهم قالوا بانهم جلبوا شيخ ليقرأ عليها القران لأنها ملبوسه بجن والشيخ طبعا زوج شقيقتها الذي أشترك في غسل العار ,
ولم يتأثروا بصوت استغاثتها وعويلها واستنجادها بالشرطة بل استمروا بضربها وتعنيفها والفيديو متداول كمقطع صوتي لصراخها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ,
واخرجوها للبيت وهيا بحالة صعبة وعاد أخوها من كندا وهو يتوعد بقتلها ففور رجوعه ضربها على رأسها وتسببت الضربة بغيبوبة ومفارقتها الحياة,
والغريب العجيب بالأمر أن العائلة تحدثت في بيان عن أن سبب الوفاه كانت جلطة وتلبس جن وأن إسراء تعاني من مرض نفسي وأنهم متأثرين جدا على حبيبتهم الغالية.
كثيرة هي القصص التي تروي مآسي جرائم الشرف في دولنا العربية والتي غالبا ما تكون ضحيتها فتيات,
كقصة إسراء والتي تعتبر من القصص المفجعة والتي تقشعر لها الأبدان,
قتلوها أهلها لكي يرفعوا رؤوسهم أمام الناس الذين يخشونهم أكثر من خشيتهم لله ؟
ونصبوا أنفسهم حكام وقضاه ومنفذين للعقوبة,
بتنا نعيش بمجتمع يرى أن المرأة هي المخطئة دوما وهو مفهوم سائد يبرره البعض لأنهاء حياة أمراه,
مجتمع يعاني من داء ليس له دواء فلا يمكن حتى للطبيب النفسي تشخيص علاجه أنه القتل بداعي الشرف,
مرض تفشي في مجتمعاتنا العربية مثل النار في الهشيم,
تساؤلات عده دوما تطرح عند الحديث في تلك الظاهرة,
لماذا تتهم المرأة دوما وأن دورها اجرامي وهي ضحية ؟
ولماذا نميل لإدانة الفتاة في كل الظروف ؟
وهل شرفة العار هي السلاح في يد المجتمع ؟
السؤال الأهم أين القوانين الرادعة بحق كل انسان تسول له نفسه بارتكاب مثل هذه الجرائم ؟
وأين العقوبات الشديدة على الجاني والتي ترعبه ولا تحفزه على الجريمة؟
ولماذا لا يتعامل المجتمع بنفس المنطق مع الشاب الذي يدان بهذا الفعل؟
ولماذا لا نرى جرائم الشرف ترتكب بحق الرجال؟
قتل النساء على خلفية الشرف هي بمثابة سوسة تنخر بمجتمعاتنا وتعتبر من أسوء أنواع العنف والتنمر الواقع على المرأة,
عنف ناجم من منظومة خالية وخاوية من القيم والأخلاق والعادات والتقاليد والدين,
جريمة الشرف أو غسل العار هو مصطلح يتم إطلاقة على الجرائم المرتكبة بحق الإناث فقط,
فهل التاريخ يغذي هذا الموروث البالي ويحدد النظرة الى المرأة وفقا لتوجهات الثقافات المحلية بحصيلة ليست بالهينة بدءا من ” لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم,
وشرف المرأة كعود الكبريت لا يحترق الا مرة واحدة,
ونهاية بالموال الذي يتناقله الناس بأعجاب وهو ما يسمى بموال “شفيقة ومتولى ” قالت له يا أخويا تبت على ايديك قال تتمحكي وتقولي حا تتوبي, وتقولي وعد ومكتوبي,
دي رقعة ما تطلع من توبي يا متولي,
الساعة دي ننتظرها بالسكين ضيع منظرها وعزل الجتة من زورها يا متولي .
اتعجب من مجتمع يدعي الحضارة والحداثة والتطور,
مجتمع يواكب التغيرات الحضارية يعمل على رفعة شأن المرأة والمساواة بينها وبين الرجل,
بعدما كان يتم وأدها في الجاهلية لمجرد كونها أنثي ,
وما زال يمارس حتى يومنا هذا نفس جريمة الوأد لكن بمبرر وبمنظور اخر وربما بطريقة أكثر عصرية وبرستيج.
ان الشرف الحقيقي يا قوم لا يكمن في إراقة الدماء, وتطبيق شريعة الغاب,
إنما بشرف الكلمة والأمانة ومزيد من الوعي والفهم,
لذلك يجب على الجهات الحكومية والبرلمانية ومؤسسات المجتمع المدني وصانعي القرار ورجال الدين ووجهاء العشائر بتكثيف الجهود المبذولة لمنع ارتكاب جرائم الشرف وضمان عدم إفلات مرتكبيها من العقاب حتى قانون الأسباب المخففة والعذر المحل,
يجب أن نعي أن جرائم الشرف هي عار اجتماعي لا عملا بطوليا,
وهو ترجمة حرفية لقمة الانحطاط الأخلاقي,
فالي متي ستبقي المرأة في مجتمعنا هي العنصر الضعيف المستباح الذي لا حول له ولا قوة ,
بئس المجتمع المريض الذي يتباهى بالقتل ولا يعرف الرحمة .
Be the first to comment on "بنَاتُنا لسن أَحْجَارًا على رُقْعَةِ الشطرنج…!"