الغني و الفقير مقال لـ تيموثي.ش.أرثر . ترجمة : أمل عمر بسيم الرفاعي تناول الكلام عن الأشخاص الأثرياء وما الأصلح للإنسان واختيار الله تعالى لكل ما يناسبه
الغني و الفقير
تيموثي.ش.أرثر . ترجمة : أمل عمر بسيم الرفاعي
انقضت أشهر الصيف الشديدة الحرارة والرطوبة, وبدأت أشهر الخريف الباردة بلياليها الطويلة الهادئة.
كانت بعض الأيام أكثر برودة من المعتاد مما استلزم إشعال النار في المواقد,
وبذلك بدأ أفراد عائلة السيد بارتون السعيدة يجتمعون حول الموقد بتلك الجلسات المسائية الهادئة المعتادة.
كان من الممتع للجميع أن يشعروا من جديد بالدفء الذي تنشره نيران الموقد وأن يُشاهدوا انعكاس توهجها على وجوههم اللطيفة.
ابتسم جيمس وهو يمدّ يديه نحو الموقد وقال:
“كم من المُحبب أن يشعر المرء بالدفء.”
وقال ويليم: “أعتقد أنني أصبحتُ أستمتع بفصل الشتاء,
فمن الممتع جلوسنا معًا حول الموقد وأن نشعر بحرارة النيران وبتوهّجها على وجوهنا وبحرارتها على أيدينا,
وكأن في ذلك ما يجعلنا نشعر أكثر بأننا نعيش في أمان ورخاء في منزلنا.
ألا تعتقد ذلك أبي؟”
أجاب السيد بارتون: “بالطبع يابني, وهذا لأن التغيير المتتالي في الفصول هو دومًا من الأمور المُحببة.
ألم يسبق أن لاحظت ذلك؟”
“نعم بالطبع! فأنا أقول دومًا عندما يحلّ الربيع بأنني أشعر بالبهجة لأن الربيع قد حلّ,
كما أقول أيضًا عندما يليه فصل الصيف وتبدأ الزهور بالتفتح وتبدأ الثمار بالنضوج بأنني أشعر بالبهجة في فصل الصيف.
ثم أشعر بعد ذلك من جديد بالسرور عندما يتم إغلاق النوافذ والأبواب مع عودة فصل الخريف ويكون بإمكاننا الاجتماع حول الموقد كما نفعل الآن,
كما أشعر بالكثير من المتعة عندما يبدأ الثلج بالتساقط في فصل الشتاء
وعندما أجلس أمام النافذة لكي أنظر إلى كُرات الثلج وهي تتطاير ببهجة في الهواء.”
لكن ما قالته ماري تلك الفتاة الرقيقة ذات القلب الطيب كان مختلفًا جدًّا حيث قالت:
“لكنني في فصل الشتاء أفكر دومًا بالأطفال الفقراء الذين ليس لديهم من الملابس ما يجلب لهم الدفء
والذين ليست لديهم المواقد التي يجتمعون حولها كما نفعل نحن,
وهذا ما يجعلني أتمنى أحيانًا بأن يظلّ الطقس دافئًا دومًا لأجلهم.”
الله رؤوف حليم
نظر السيد بارتون إلى وجه ابنته ماري الرقيقة الذي ينبع بالطيبة والتعاطف وقال:
“هذا صحيح يا ابنتي لكن الله ـ تعالى ـ يعرف ما هو الأفضل بالنسبة إلى كل منا وهو رؤوف بعباده كما أنه حليم حتى مع من يرتكبون المعاصي…”
قالت ماري: “أعلم ذلك أبي,
وأعلم أن الله ـ تعالى ـ يقول في كتبه المقدسة بأنه يُشفق على عباده كما يُشفق الأب على أولاده,
ومع ذلك ليس بإمكاني أن أمتنع في كثير من الأحيان عن التفكير بأن هناك الكثير من المُعاناة في هذا العالم.”
قال والدها: “هذه هي سنّة الحياة ماري,
نعم! هناك بالفعل الكثير من المُعاناة, وربما كان هذا ما يجعلنا أحيانًا نجد الكثير من الصعوبة في فهم حقيقة سرّ الوجود,
لكن هناك أمر واحد علينا أن نعرفه جيدًا هو:
(أن الكثير مما يُعانيه المرء قد يكون بفعل البشر,
وبأن الله ـ تعالى ـ عندما يأذن بذلك لابدّ أن يكون لصالح المرء ولغاية يصعب على البشر معرفة كِنهها وليس لكي يعاقبهم)
ذلك لأن الله ـ تعالى ـ لا يعاقب البشر لأجل العقاب فقط,
وإنما لكي يُوجّههم نحو طريق الهداية ولكي يمنعهم من ارتكاب الآثام والشرور…
أتذكرين ما قرأتُه لك في الأسبوع الماضي حول التدبير الإلهي؟”
أجابت ماري: “نعم أبي ألم يكن ذلك بما يتعلق بالخلود” “
هل تذكرين ما قلتُه حول معنى الخلود؟”
“نعم يأبي, الخلود هو كل ما يتعلق بنجاة الإنسان في العالم الآخر.”
“هذا ما قلتُه تمامًا, ولكن يعتقد الكثيرون بأن الله ـ تعالى ـ, وهو المُطلع على كل ما نقوم به, وحتى على أصغر تفاصيل حياتنا الدنيوية, يُحاسبنا على هذا الأساس فقط…
الله يعلم الغيب
أذكر بأنني عندما كنت فتىً يافعًا كنتُ أسمع رجلًا يبتهل إلى الله ـ تعالى ـ يوميًّا وباستمرار أن يزيد ويضاعف له ثروته.”
“وهل جعله الله ـ تعالى ـ ثريًّا بالفعل أبي؟”
“لا يا ابنتي، لأن الله يعلم الغيب, ولأنه كان يعلم بأن ذلك الرجل لو أصبح ثريًّا, فسوف يُدمر المال له روحه وبأن ذلك لن يكون في صالحه.”
قال ويليم: “فإذن, سوف يكون من الأفضل للبعض أن يكونوا من الأثرياء كما أن من الأفضل للبعض الآخر أن يظلوا فقراء.”
“دون شك, وإلا لكان جميع من هم في هذا العالم من الأثرياء ولحصلوا جميعًا على كل ما يمكن من أسباب الرفاهية على الأرض.
لكن الله ـ تعالى ـ يمنح لكل منا ما يمكن أن يفيده في حياته الدنيوية, وبما ينقذ روحه أيضًا من ارتكاب الآثام,
دون أن يكون أحد الأمرين على حساب الآخر…
كما أن الله ـ تعالى ـ لا يحرم المرء من السعادة ومن الثروة إن لم يسئ استخدامهما,
لكنه لابدّ أن يحرم المرء منهما لو أساء استخدامهما.
قال ويليم: “ولكن ليس جميع الأثرياء من الأشخاص الطيبين بل على العكس فأنا أعتقد بأنهم, بشكل عام, من الأشخاص الأنانيين,
كما أنهم يفتقرون إلى الإحساس أكثر من الفقراء؛ لذا و لهذا السبب لن يجدوا الكثير من الفرص للخلود في الجنة.”
قال والده: “أعلم بأن هذا ما يُقال لكنه خطأ كبير.
قد يكون بعض الفقراء أيضًا مثلهم مثل الأثرياء, من الأشخاص الأنانيين والعديمي الإحساس,
وبذلك لن يكون لديهم الكثير من الفرص لدخول الجنة…
الغني والفقير يلتقيان
أما بالنسبة إلى موضوع الفقر والثراء فهناك دومًا إرادة الله ـ تعالى ـ التي تتحكم بقدر كل منهم وهذا كما قلتُ سابقًا بهدف إنقاذ نفوسهم.
إن الله ـ تعالى ـ عندما يجعل بعض الأشخاص من الأثرياء, بينما يكون الآخرون فقراء, فليس هذا لأن أحدهما أفضل من الآخر؟”
أجاب الوالد: “هذا بالتأكيد.
أحباءنا والسبب على الإطلاق لا يمكن الحكم على وضع أي رجل بالاستناد إلى ظروفه وإلى مظهره الخارجي,
ذلك لأن الظروف التي قد تلاءم أحدهم قد تكون سيئة جدًّا بالنسبة إلى الآخرين.
لتتذكر هذا جيدًا بُنيّ, ولتعلم بأنه مهما كان الوضع الذي يختاره لك الله ـ تعالى ـ,
وبأنه سواء أكان قَدرك أن تكون ثريًّا أو أن تكون فقيرًا فهذا ولابدّ لأجل صالحك
ولأن الله ـ تعالى ـ الذي يعلم الغيب يعلم كيف سيكون تصرفك تجاه ما يمنحه لك من النعم الدنيوية…”
الغني والفقير يلتقيان لأن كليهما من صنع الله.
مقالات مختارة
تيموثي.ش.أرثر
ترجمة : أمل عمر بسيم الرفاعي
التدقيق اللغوي: خيرية الألمعي
راجعها للنشر في حديقة المقالات : حسن بن علوان الزهراني