أحيانا ما تصبنا الدهشة والحيرة عندما نلقي نظرةً على النظم التشريعية بدول العالم ، والتي تبدو من أول وهلة أنها جامعة مانعة تغطي كافة جوانب الحياة وكافية لتنظيم سلوك البشر ،
ولكننا نفاجأ بأن الواقع يخبرنا بأنها في بعض الدول لا تعدو أن تكون مجرد حبر على ورق أو أداة في يد المفسدين والمهتزين ،
في حين أنها يُكَنُّ لها كل التبجيل والتوقير والسمو في دولٍ أخرى.. فما السر وراء ذلك؟!
فالشاهد أن البشر عندما ابتدعوا القانون فإنما كان الغرض منه تنظيم العلاقات والسلوك بصورة مجردة ،
فبدايته معروفة تاريخياً فقد كانت تأتي من السلطة الأعلى في صورة قواعد إلى الدهماء أو العامة ،
ثم تطورت هذه القواعد بعد ذلك حتى صارت ما صارت إليه الآن بالنظم الديمقراطية لتأتي من الشعب باعتباره مصدر السلطات ،
ولكن – إذا كان الحال كذلك – وإذا كان السؤال مازال مطروحاً ؛ فلمَ يتفاوت احترام القانون من دولة إلى أخرى وكذلك لِمَا تتفاوت مسألة أنفاذ القانون من دولة إلى أخرى؟ ..
للإجابة عن هذه الأسئلة دعونا – قبل أي شيء – نلتفت عن العقبات والأسباب التي تؤثر في مسألة تطبيق القانون والتي تتباين من دولة إلى أخرى ..
ونستسلم لخيالنا فنفترض أن هناك بقعة من الأرض يعيش من فيها من البشر بأخلاق رفيعة وقيم راسخة في بساطة ووئام ومحبة وتعاون فيما بينها على الخير وتنبذ كل ما يشذ عن منظومة الأخلاق التي تنعم بظلالها ،
في حين أن بقعة أخرى ليست ببعيدة عنها تتمتع بالقوة والنفوذ ،
ولكن منظومة الأخلاق فيها باتت تحتل موقعاً متأخرا ومتدنياً ضمن أولويتها ، فأيهما برأيك يمكن للإنسان أن يفضل؟ ..
الواقع يخبرنا أن النموذج الأول سوف يكون بيئة صالحة للتقدم والازدهار والرخاء وأن القانون سيكون ضمانةً للتصدي لأي سلوك منحرف عن الطريق المستقيم ،
وقطعاً في هذا المجتمع سوف تجد كل فئاته تتعاون وتتكاتف على إنفاذ القانون باعتباره ضمانة أساسية للتعايش في استقرار وأمان تحت مظلة أخلاقية رفيعة يحرصون عليها حرصهم على الحياة ،
وسوف تعتبر مسألة اختراق القوانين في هذا المجتمع أمراً ممقوتاً ومرفوضاً من أفراده وسوف تجده مجتمعاً شديد الحساسية لأي ظاهرة إجرامية ومن ثم تجده يسارع لوأدها بكافة الوسائل قبل استفحالها ،
أما النموذج الثاني ، فغالباً ما تجد أن القانون لديه ما هو إلا وسيلة حماية وقتيه لواقعة ما، إذ لا يلقي أفراد هذا النموذج بالاً بالقوانين إلا حينما تمسهم مسألة ما ترتبط بأحد قواعده ؛ فيلقون عليه نظرة عابرة ،
وتجدهم لا يهتمون بتوسيع مداركهم و ثقافاتهم القانونية بل أحيانا يلتمسون السلوك المخالف للقانون لإتباعه فيما اعتاد الناس ويعارضون بشدة من يعترضهم عندما يأتون هذه السلوك عن جهل.. ولكن ماذا يعني ذلك ؟
لا يمكن الاستغناء بمنظومة القانون عن منظومة الأخلاق ، إذ يتوهم من يظن أن منظومة القانون كافية لتحقيق ما نصبوا إليه من رقي في السلوك وتحضر،
فمنظومة القانون لا يمكن أن تغني عن منظومة الأخلاق ولا يمكن أن تكون بديلاً لها.
Be the first to comment on "الاخلاق والقانون"