استأجر صديقاً…!
د .نيرمين ماجد البورنو
قد نخطئ بحق بعض وفي حق أنفسنا عندما نتجاوز ونبرر لتصرفات ولأخطاء البعض على أنها أفعال وتصرفات غير مقصودة تحت شعار وأيقونة الصداقة, تصرفات تقصم الظهر وتعطل التواصل والمحبة والألفة والمودة,
فالصداقة الحقة لها وضع خاص وهي أيضاً علاقةٌ خاصة لا تُباع ولا تُشترى ولا توضع على الرفوف في المحلات التجارية,
وليست ترتبط أو تتبع مصلحة معينه أو مصالح خاصة أبداً,
فهي أوطان صغيرة وهي ترياق الحياة,
فخير الأصحاب من رأي منك خيرا نشره واذا عرف عنك عيبا ستره واذا ضحكت لك الدنيا لم يحسدك ولم يبغضك واذا عبست لك الدنيا كان سندك ولم يتركك,
وكما قال عبد الله بن جعفر: عليك بصحبة من اذا صحبته زانك وان غبت عنه صانك وان احتجت اليه عانك وان رأى منك خلة سدها أو حسنة عدها واصلحها وقال أحد الحكماء: معاشرة ُ ذوي الالباب عمارة القلوب وصداقة الجاهل تعبٌ وقيل: من ضر بطبعه فلا تأنس بقربه.
الأصدقاء المزيفون مثل العملة الفاسدة كما هو الظلام، وكما هو الجفاف الذي يصيب الأرض فيحولها الي أرض قاحلة متصحرة,
هم موجودون لأنهم يجدون من يصدقهم، ويعتني بأكاذيبهم ونفاقهم وابتساماتهم الصفراء، وأحياناً الرمادية,
وكما أن الأصدقاء المزيفين كثر، فإن الأعداء لا يقلون عدداً,
هل فكرت لبرهة ودرت وجهك صوب الأصحاب من حولك وتأملت الوجوه عندما تحقق نجاحا في حياتك كنت تحلم به منذ نعومه أظافرك,
فلو تمعنت النظر ستجد من ينتابه هستيريا الجنون تجعله يفكر فقط في تدميرك وحسدك وبغضك ويتمني موتك ومرضك وبلاك وقد يذهب به الحال الى نعت نجاحك بأفظع الأوصاف اللاأخلاقية فيسخفون ويخسفون ويكسفون وينسفون ويتعسفون,
كل ذلك لأنك انسان ناجح مستقيم استفززت أنانيتهم وزاحمتهم في حدود جغرافيتهم فهم لا يتقبلون الزحمة على الحدود.
شكَّلت قصة فيلم ” العائلة ” والتي عرضت في السنيما الاسبانية عام 1996 آنذاك صدمة للعديد من المشاهدين والتي دارت أحداثها حول قصة حزينة لرجل يستأجر الأشخاص ليتظاهروا بأنهم أقاربه,
فكان الرجل يستأجر الأفراد للقضاء على تلك الوحدة المخيفة التي تحاصره،
حيث يشاركونه المناسبات الخاصة به،
مثلما كان الحال في حفل عيد ميلاده الذي امتلأ بـ «الأقارب المزيفين»,
فلم يقتنع الكثير ممن شاهد تلك المشاهد أن تحدث تلك الأحداث حقيقة على الواقع الذي نحياه ولكن اليوم وبعد مرور أكثر من 20 عاما أصبحت اليابان وبريطانيا وكوريا الجنوبية وغيرها العديد من الدول ازدهر بها خدمة استئجار الأصدقاء أو الأقارب،
وأصبحت صناعة يعمل فيها العديد من الشركات والمواقع حول العالم,
وهناك أيضا الموقع الإلكتروني الذي أطلق في الأساس بالولايات المتحدة يسهل عملية استئجار صديق ليشاركك الحديث أو أي هوايات ترغب بها،
مقابل 15 جنيها إسترلينيا في الشهر.
من المؤسف أن يصل الأمر الى ذاك الحد المرير أن يشعر البعض بالوحدة والشحة في عدد الأصدقاء في عالم توافرت فيه كافة الوسائل المحيطة بنا ويسكنه مليارات من البشر,
فهل يعقل أن يصل الأمر لاستئجار أصدقاء لمجرد التباهي والتفاخر على الإنترنت؟ وهل التكنولوجيا أبعدتنا عن بعضنا وجعلتنا أسرى خلف أزراها؟ والسؤال الذي يطرح نفسه عند الحديث بتلك القضايا ما هو الشيء المرتقب إيجاره في المستقبل؟ وهل العزلة التي فرضتها الظروف اليومية والاكتفاء بالعالم الافتراضي دفعا لخوض تجربة تأجير صديق؟ وهل بتنا نعيش في مجتمع مريض يحتاج إلى الاستشفاء؟
كل شيء قابل للإيجار في الألفية الثالثة,
والغريب بالأمر أن الانسان لا يسعي في هذه الألفية لاختراع شيء ملموس جديد يضفي ابتكارا وله تأثير كبير في حياتنا بل ابتكر ظاهرة غريبه عجيبة منتشرة في مواقع الكترونية عالمية تتيح للشخص استئجار أشخاص من لحم ودم فعلي سبيل المثال فلقد تمكنت أحد المطلقات من استئجار أب مزيف لأبنائهن ,
وكذلك فتاه استأجرت حبيب يرافقها للاحتفال بعيد الحب,
وهناك خدمة أخري وفرها منصات التسويق الالكتروني اذا كنت من محبي الشغب والمشاجرات حيت يتيح موقعا صينيا إمكانية الاستعانة بشخص غريب ليتشاجر بالنيابة عنك وهو الأكثر تطورا من الاستعانة التقليدية” البلطجية” للمشاركة في المشاجرات وعمليات السطو,
ولقب أيضا ” مشاجر محترف”,
وهناك أيضا المكالمة الهاتفية الغاضبة أو رسالة نصية والتي تكلف 20 يوان صيني أما يوم كامل من المكالمات غير المرغوب فيها فيكلف 40 يوانا,
والعديد من الظواهر والمواقف العجيبة.
قلما تجد الصديق الصدوق في هذه الدنيا فهو كالعملة النادرة أو العملة الصعبة كما يسميها البعض,
فاذا وجدته لا تفرط فيه,
فالصداقة الحقيقية هي توافق وتلاقح وتقارب وانسجام وتلاحم في الأفكار وتلامس للأرواح في العطاء دون انتظار أو رد جميل ومعروف,
أجمل ما في الوجود هي تلك الصداقة المبنية والقائمة على أساس متين وسليم من تدفق بالمشاعر الجميلة المتبادلة بالمحبة والصدق والوفاء والتفاني بالإخلاص بلا حدود والتي تعتمد على العطاء والصفاء والاحترام والادب والثقة والنية الحسنة.