اتقي الله يا خطَّابة ! مقال للكاتبة زينب علي البحراني عن ظاهرة ودور الخطابة وانعدام العدالة والموضوعية في تعاملها مع طلبات الفتيات ، قراءة ممتعة
اتقي الله يا خطَّابة !
زينب علي البحراني
في الآونة الأخيرة تحولت الاستعانة بـ”الخاطبة” إلى ما يُشبه الظاهرة في بعض مدن وقرى البلدان الخليجية،
وبعد أن كان أهل البنت يعتبرون “الخاطبة” خيارًا أخيرًا لا يتم اللجوء إليه إلا في ظروف خاصة تجعل من الصعب إيجاد زوج مُناسب بطرق تقليدية أخرى؛
صرنا نرى بنات بصحة جيدة، وشهادات علمية ممتازة، أعمارهن عشرينية أو أقل، جمالهن فوق المتوسط “مضطرات” لهذا الخيار،
خصوصًا مع تفاقم بعض الظواهر التي تنم عن عُقد نفسية “نسوانية” غريبة عجيبة،
منها تلك المرأة التي تبخل بأولادها الذكور على بنات معارفها من النساء لأنها تعتبرهن “دون المقام”!
أو المرأة التي تدَّخِر أولادها لتزويجهم ببنات نساء يُمكن أن تُحقق لها مصاهرتهن مصالح مادية أو مكاسب مُجتمعية،
أو التي تتعمد البحث عن زوجات أقل مستوى كثيرًا من مستوى ابنائها بهدف تحقيق ما تظن أنه إمكانية “السيطرة” عليهن بسهولة،
وغيرها من العُقد النفسية التي يخجل المرء من الإشارة إليها بصورةٍ مُعلنة
لأنها تفضح جوانب خفية من تقدم الخراب في المجتمع.
حكاياتٍ صادمة مع خاطبات
كل بضعة أيام أسمع من بعض الصديقات حكاياتٍ صادمة
حدثت لهن شخصيًا أو حدثت لشقيقاتهن وقريباتهن وصديقاتهن مع خاطبات أو بسبب خاطِبات،
آخرها حكاية صديقة متعلمة جميلة تعمل في وظيفة تُصنف على أنها مرموقة في طبقتها المُجتمعية؛
بعد سلسلة من الصدمات مع النماذج التي يُرسلها لها “طالبي الرزق” من الخاطبين والخاطبات المغمورات
قررت التواصُل مع خاطبة أكثر شُهرة في المنطقة الشرقية ومنطقة الخليج،
لكنها أعلمتها – بصراحة- أنها لا تريد الإفصاح عن شهادتها أو وظيفتها قبل إيجاد الشخص المُناسب والتفاهم معه،
لأنها تعبت كثيرًا من مقابلة اولئك الذين يستهدفون الموظفات طمعًا في نقودهن،
والذين ما أن يسمعوا بمسمى الوظيفة حتى يهرعون لجدول “السلم الوظيفي” الخاص بها لمعرفة قيمة “الراتب الشهري” الذي تناله،
والذين يطالبونها بالإقامة معها في بيت أهلها بعد الزواج مُتكاسلين أو مُتباخلين عن توفير عش زوجية لها،
وإذا بتلك التي تسمي نفسها “خاطبة” تنفجر في وجه البنت بنبرةٍ تخلو من الاحترام والتهذيب،
مُتهمة إياها بـ”التشرط” و”شوفة النفس”،
كل هذا لأنها طلبت زوجًا يُثبت أدنى مستويات الرجولة بقدرته على تحمل المسؤولية!
ولولا أنني رأيت بأم عيني المُحادثات الواتسابية (نسبة إلى برنامج الواتس اب Whatsapp ) التي دارت بين البنت والخاطبة لاتهمتها بـ “المُبالغة” و”التضخيم”،
إذ يُفترض أن دور الخاطبة لا يتجاوز دور الجرسون أو نادل المطعم،
يأخذ طلبات العميل ويقدم له الوجبة التي طلبها – إذا توفرت- دون أن “يتدخل” في طلبه،
ليس له الحق في أن يقول له: “أنت لا تستحق هذه الوجبة”،
“من تظن نفسك لتأكل وجبة من هذا النوع”،
“كيف تجرؤ على التشرط بطلب عدم إضافة الفلفل أو إضافة المزيد من الملح“،
“خذ أي وجبة بائتة متعفنة في هذا المطعم والتهمها بصمت وادفع الثمن مضاعفا وأنت تبتسم”،
ولا يتجاوز دور أي خياط، يأخذ القياسات التي يختارها الزبون،
ولون ونوع القماش الذي يختاره الزبون،
وشكل الطِراز والتصميم الذي يختاره الزبون،
ليس له الحق في فرض القياسات التي يفضلها هو، ولا نوع ولون القماش والتصميم الذي يفضله هو،
ولا أن يُقدم له ثوبًا قديمًا ممزقًا مرقعًا ويجبره على دفع ثمنه وارتدائه غصبًا عنه،
مادام الزبون هو الذي سيدفع ثمن طلبه من جيبه فعلى نادل المطعم والخياط تقديم الطلب مقابل الثمن،
ومادامت الخاطبة تستهدف تحقيق مكاسب مالية من تلك المهنة
فلا يحق لها ممارسة تلك السلوكيات التي تنم عن تخلفها وقلة تهذيبها وفساد تربيتها
كاتهام البنات بـ “التشرط” و “شوفة الحال” و أنهم “ما فيهن زود”،
و”عمرهن يركض”، ما شأنها بشخصياتهن وطلباتهن وأعمارهن وأشكالهن؟
شأنها الوحيد أن تأخذ وتنفذ، وإن لم يتوفر الطلب تصمت بأدب.
منبع التشرط
من المعروف أن “التشرط” في زمننا هذا منبعه الذكور وأمهاتهم وشقيقاتهم،
فالذكر مهما ركبته العيوب فوق العيوب لا يُمكن أن يرى عيوبه ويلتفت إلى نقصه،
فالأصلع يبحث عن ذات شعرٍ طويلٍ كثيف،
والبدين الذي يتدفق جسده بصورةٍ عشوائية هنا وهناك يُريدها نحيفة بتقاسيم جسدية دقيقة،
والعاطل عن العمل يريد موظفة حكومية، والأمي أو حامل الشهادة الابتدائية يريدها جامعية،
والذي سبق له الزواج من قبل مرة واثنتين وثلاث يريدها بكرًا عازبةً آنسة!
وبدلاً من أن تنصحهم الخاطبات بـ”التواضع” و”عدم التشرط” و”الرضا بالستر”
والزواج بمن تماثله في الظروف؛
نراها تُساهم في ظاهرة احتقار المرأة والتقليل من شأنها
بمحاولات إجبارهن على الزواج بـ”غير الكفء” من كل الجهات والاتجاهات لتحصل على ما تطمح إليه من دراهم ودنانير وريالات،
ولا يهمها مدى الدمار الصحي والنفسي الذي قد تتعرض له البنت جرَّاء تلك الزيجة،
ولا يهمها الطلاق وعذاباته وما تعانيه البنت من مشاعر مهينة
حين تجد نفسها مضطرة للتجول بين أروقة المحاكم للتخلص من الطاعون الذي القت به عليها تحت مُسمى “زوج صالح”،
فالمهم هو المال بأي وسيلة،
والطلاق هو الآخر – بطبيعة الحال- فرصة ممتازة لتكرار “عملية النصب” ذاتها مع المطلق والمطلقة اللذين خدعتهما من قبل.
اتق الله يا “خطابة”، وتذكري أن دورك هو تقديم خدمة بمساعدة الناس على إيجاد نصفهم الآخر المُلائم،
وليس توريطهم وتسميم حياتهم بمخلوق يُدمر مستقبلهم لأجل القروش.