معوقات الإبداع بين الأفراد في المؤسسات ، الكثير من الشباب يجد صعوبة في تنفيذ عمله بإبداع فيعجز عن التجديد و الابتكار في المؤسسة بسبب وجود معوقات ، يستعرضها كاتبنا في هذا المقال
المقال في 1260 كلمة و 32 فقرة ، يستغرق 4 دقائق و 35 ثانية للقراءة الصامتة و 7 دقائق للمسموعة
معوقات الإبداع
إن كل عمل لابد أن يواجه صعوبات كثيرة تعيقه حتى يولد وحتى ينمو ويتكامل فعليه أن يتجاوز الكثير من ذلك بروح الصبر والمثابرة والتحدي..
وكلما كان العمل أكثر نفعاً وأعمق أثراً خصوصاً إذا تجاوز المألوف فإن الصعوبات التي ستواجهه أكثر أيضا، وحيث أن الابتكار يمثّل أحد أشكال التغيير للأفضل لذا فإن صعوباته ومعرقلاته أقسى والأفراد الذين يواجهونه أكثر وأقوى..
لذلك يلاحظ أن الكثير من الأفراد المبدعين والمبتكرين لا يجدون أحياناً مجالات جيّدة تلبّي طموحاتهم وتنسجم مع أفكارهم
كما قد لا يجدون صدوراً رحبة تستوعبهم وتستثمر طاقاتهم فيعيشون في عزلة روحية وهم بين زملائهم وإخوانهم
وهذه مأساة حقيقية تعود عليهم وعلى المؤسسات التي ينتمون إليها بالأضرار الوخيمة.
لذلك قد يشكّلون أوائل الضحايا التي تفقدهم المؤسسة ليحظى بهم الآخرون الأقدر على استيعابهم واستثمار مواهبهم وخلاقيتهم..
وهذا هو أحد الأسباب الملحوظة في العالم الثالث أيضا الذي يقف وراء هجرة العقول والأدمغة إلى الدول الأكثر تقدماً وحرية..
كما هو أحد أبرز مظاهر التخلف أيضا.
ومن هنا ينبغي أن نبحث في بعض معوّقات الإبداع التي تسبّب فقدان العناصر المبدعة وخلو المؤسسات منهم
بما يسبب لها المراوحة في مكانها أو التراجع إلى الوراء..
لكي نسعى لمكافحتها دوماً إلى الصعود.. نذكر منها ما يلي:
1- مقاومة الجهات الإدارية المسؤولة وعدم رغبتها في التغيير الإبداعي..
ربّما لعدم إيمانها بذلك لما يسببه التغيير من خروج عن المألوف المعتاد عليه وربما لاعتقادها بأن كل تغيير جديد يشكّل خطراً عليها أو على المؤسسة
وهذا ما يصطلح عليه بـ(جمود الإدارة) ومن الواضح أن المؤسسات تنعم وتكبر وتتطور بأجواء السلام والتفاهم والتعاون والتكامل بين عناصرها
فإذا وقع بينهم التنافر وصار البعض معيقاً لمسيرة البعض الآخر فإن هذا يهدد الجميع بالخطر
وأول الأفراد سيصابون بالمأساة هم المفكرون والمبدعون لأنهم سوف لا يجدون لأنفسهم مكانا في الأجواء المتوترة.
والحل هو تعامل المسئولين مع الأفراد الطموحين وأصحاب التطلعات بالمزيد من المرونة والتفهّم والإقناع
فهم بهذا يضمنونهم كعناصر مبدعة مخلصة في العمل كما يضمنون الهدوء والتماسك داخل المؤسسة.
2- التطبيق الحرفي للقوانين والحديدية في الروتين الإداري.. معوقات الإبداع
وهذا الأسلوب من أكثر الأساليب إزعاجاً للأفراد وتسبيباً للتذمّر والنقمة وإبعاد المخلصين والعاملين..
ومن الواضح أن القوانين والتعليمات الإجرائية هي مجرد وسائل وجسور للإدارة الأفضل وليست غايات بذاتها
فإذا شكلت عائقاً أمام الأفضل فليس من الحكمة التوقف عندها..
ولو تتبعنا سلوك الأفراد الحديديين في تعاملاتهم الإدارية نجد أنهم في الغالب انشغلوا بالمظاهر والشكليات
وتركوا المضامين والأهداف بعيداً بل كثيراً ما يقعون في أزمات الفوضى واللانظام بحجة إيجاد النظام الحديدي الصارم
وهذا نقض للغرض والحكمة من إيجاد النظام..
وبعض المؤسسات تعتبر أن معيار التقييم والتمايز بين الأفراد هو مدى انضباطهم والتزامهم بالأنظمة الإدارية الموضوعة
كالالتزام بأوقات حضور الدوام والمغادرة ونحو ذلك.
ومع أن هذا أمر مهم إلا أن مجرد الالتزام بالدوام لا يؤدي إلى النتائج المطلوبة فقد يِأتي العامل في وقته ولكنه من دون أن يقوم بأي عمل
أو يلتزم بمظاهر القانون ويخل بجوهره في عدم الإتقان أو عدم الإخلاص في العمل وغير ذلك من مساوئ وأضرار.
إن القوانين وجدت للتنظيم الأفضل والأداء الأكمل فإذا صارت صارمة وروتينية فإنها تشكل عقبة تسبب الكثير من المفاسد.
وأولها كبت الطاقات الخلاقة أو هروبها إلى المؤسسات الأخرى الأفضل تعاملاً..
3- عدم تمتع القادة بمؤهلات قيادية وإدارية جيدة.. معوقات الإبداع
لا شك أن القيادة الإدارية تعتبر أحد أهم العوامل في تطوير المؤسسات لأنها صاحبة الدور الرئيس في تحفيز العاملين وتوجيههم ودفعهم إلى الأمام
ومن المعلوم أن الأفراد تحفزهم قناعاتهم وأفكارهم أكثر مما يحفزهم المال أو العوامل الأخرى
وينبغي أن يتمتع القائد والمدير بمؤهلات عديدة حتى يحظى بثقة أفراده والعاملين معه
وإذا انعدمت الثقة فإن ذلك يشكل عاملاً أساسياً في عدم تماسك الأفراد بل وإحباطهم وعدم انشدادهم إلى العمل وتطبيق خططه.
مثلاً: إذا اعتقد المرؤوسون أن رئيسهم وصل إلى منصبه الإداري لاعتبارات غير منطقية لأنه بلا مؤهلات..
فإنهم لا يجدون لأفكاره وآرائه قيمة تستحق الاحترام والتقدير خصوصاً مع وجود بعض الأفراد من بينهم من يرى نفسه أكفأ وأفضل من الرئيس نفسه.
خصوصاً إذا خرج المدير نفسه عن المنطقية وأساء التصرف في إدارة أفراده فإن ذلك سيسبب انفراط النظام وتنامي التسيب والإحباط
وفي هذه الأجواء يموت الإبداع وتنتهي حوافزه.
فالرئيس الذي لا يعتبر نجاح موظفيه نجاحاً للجميع ويحرص فقط على التفتيش عما يسيء إليهم هو شخص يمارس سياسة هدّامة من حيث يدري أو لا يدري
ولا يؤهل المؤسسة إلى البقاء فضلاً عن التنامي والرقي.
أهم حوافز الابتكار
إن من أهم حوافز الابتكار أن يرى العاملون أن العمل الجاد يكافأ وان الفرد الكفوء يحترم ويقدر وبعكسه الكسل
والأفراد السلبيين كل يجازى بعمله وهمته – بالحق والحكمة -.
ولكن حينما يلاحظ في بعض المؤسسات أن مؤهلات الانقياد والخنوع والتزلّف هي شروط أساسية للجزاء بالحسنى،
والجدية والهمة والإخلاص مع احترام النفس وحفظ الكرامة تؤدي إلى المعاناة
فإنه يبدأ العد التنازلي للعمل وللمؤسسة لأن طول اللسان والتردد على المسؤولين وإبداء المزيد من المجاملات الفارغة
ستكون هي الطريقة الأقصر والأسهل والأكثر أمنا للوصول إلى المناصب العالية..
وهذا أسلوب لا يجيده كل أحد بل لا يحسنه أولئك الذين يحترمون أنفسهم ويحبذون التقدير بالاستحقاق،
ولذا فإن حنكة المدير يجب أن تميز بين الأفراد المتزلفين والآخرين الكفوئين حتى تحافظ على مستويات عالية من الإبداع والخلاقية
وإلا فإنها ستكون قد ساهمت في هدم المؤسسة من حيث لا تعلم.
4- القيم الاجتماعية.. معوقات الإبداع
قلنا أن الابتكار نوع من الخروج على المألوف لذا فإنه قد يتعارض مع التقاليد والأعراف والقيم الاجتماعية السائدة
مما يسبب للمبتكرين المتاعب والأزمات.
ومعظم المبدعين والعلماء والمفكرين لاقوا أشدّ الصعوبات في مجتمعاتهم العامة والخاصة لأنهم خالفوا المألوف – أحياناً -.
ولا زال الكثير من الناس يتصور أن الحكمة والحنكة والمهارة والإبداع تتنزل على الإنسان حينما يتقدم به السن ويبلغ من العمر عتيّا
أما مرحلة الشباب فهي مرحلة الصباوة وعدم النضج ولعلّ هذه من أبرز السمات الظاهرة في المجتمعات المستبدّة أو التي تتغلب فيها العادات والتقاليد
ومع أن هذه قد تصحّ عند البعض إلا أنها ليست قاعدة كلية يمكن الاعتماد عليها دائماً..
كما ليس اقتران الشباب بالصباوة وقلّة الخبرة والنضج قاعدة كلية يمكن الاعتماد عليها دائماً..
بل ينبغي أن يلاحظ الفرد مع حكمته ومنطقيته وقوة تفكيره وخبرته كان شابا أم كهلاً أو شيخاً كبيراً..
ما دامت الكفاءة الواقعية هي المعيار.
تقييم الإبداع
إن تقييم الإبداع على أساس السن وأن المبدع هو الشخص الكبير فقط هذه من العوامل التي تعيق الإبداع والخلاقية عند الأفراد..
ومع الأسف أنها إحدى القيم التي تقوم عليها بعض المجتمعات النامية والمؤسسات العاملة فيها فغالباً لا يحظى صغار السن بالاحترام اللائق بهم كما يحظى به الكبار..
كما أن إمكاناتهم الإبداعية لو وجدت لا تكتسب اعترافاً وقبولاً غالباً إلا في وقت متأخر
إذ ينظرون إلى محاولاتهم وكفاءاتهم أنها تخيلات أو تهوّرات لاتستحق الاهتمام والرعاية.
لذلك نجد قلّما يحتل الشباب المراكز الإدارية القيادية في أمثال هذه المجتمعات إذ يعتبر شرط التقدم في السن أحد أهم المؤهلات القيادية للأفراد
الأمر الذي لا يقبله الشباب لما يرون لأنفسهم من الحق الطبيعي أن يحظون بما يستحقون وأن يحققوا أهدافهم وطموحاتهم بجدارة
فيؤدي الأمر إلى الانقسام والتشتت أو هروب طاقات الشباب لوجدان مجالات أفضل تتفهمهم وتلبّي رغباتهم..
وهذا ما يفسر أيضا سبب الانقسامات المستمرة في المؤسسات العاملة في العالم المتخلف.
كما يفسر سبب وقوع الكثير من الشباب ضحية الشباك الغربية والصهيونية بينما يتطلب الأمر بعض الحكمة في احتواء كلا السنّين
وإعطاء كل سن ما يليق به من أجل تشجيع الإبداع وتحفيز المبدعين واستثمار الخبراء وتقدير أصحاب التجارب
وصبّ طاقات الجميع في خدمة الأهداف العليا للمؤسسة..
5- الظروف المعيشية.. معوقات الإبداع
إذ لا يلقى الابتكار والإبداع الاهتمام الكافي فإنه يموت خصوصاً مع تردّي الأوضاع المعيشية للأفراد لأن الابتكار لا ينمو إلا في الانشغال بالجذور
والانشغال بالجذور لا يكتمل إلا في راحة البال من الهوامش
والفرد المبدع إذا لا يصرف اهتمامه وعنايته في ما يهم الجميع قد يصرفها في العناية بنفسه
خصوصاً وأن ضرورات المعيشة تلحّ على الإنسان وتضغط عليه بالاستجابة
ولا يمكن له أن يتخلى عنها أو يهملها وقوام حياته اليومية يعتمد عليها..
لذا قد يستثمر الفرد المبدع قدرته الإبداعية في محاولة سد النقص المادي أو الاقتصادي الخاص
وهذا يفقد المؤسسة الكثير كما يربّي الفرد نفسه على المصلحية والذاتية ومن هنا ينبغي السعي الحثيث لإشباع الأفراد في المهم لكي يبدعوا في الجذور ويتفانوا في الوصول إليها
التي هي الأهم حتى نبني مؤسسات مبدعة وناجحة في مختلف المجالات .
انتهى : معوقات الإبداع
الوقت الابداعي : سلسلة الإبداع في مقالات (1)