في رحاب المكتبة مقال للكاتبة الأستاذة نعمة القحطاني ، عن الكتاب وعلاقة القارئ وتجربة القراءة
في رحاب المكتبة
نعمة القحطاني
كيف غيرتني القراءة من شخصٍ جامد إلى شخصٍ حركي وباحث ؟
كيف جعلت من القراءة منهجًا وسلوكًا لحياتي القصيرة على أديم هذه الأرض ؟
وهل سأجد كتابي المفضل وكاتبي الأروع ؟
ما نوع الكتب التي يجب قرأتها والاطلاع عليها ؟
يمكن للقراءة أن تجعلك شخصًا خارقًا أعني بذلك أن تكون مذهلًا ومختلفًا عن غيرك، عن محيطك،
شخصًا متميزًا متزنًا وأكثر قدرة على تخطي الصعاب والسعي للنجاح والفلاح.
كنت وما زلت حتى اللحظة كلما شعرت بالأسى، القلق، الهم، الضجر، الكبت، الغضب، التيه، الألم، التخبُّط، الحنين،الاحباط.
أنطلق إلى المكتبة الإلكترونية الرقمية أو الورقية-الأخيرة هي الأقرب إلى قلبي-لا شيء يبعث في نفسي الأمان كالكتب،
فالكتاب بمؤلفه وناشره وبائعه أضحوا أعز الأصدقاء على الإطلاق وأكثرهم حبًا وقربًا.
والكتاب هو الحياة فكل ما أبحث عنه وما لا أبحث عنه أجده بين دفتي كتاب
كل ما أريد أن أشبع به جوفي أجده في الكتب
كل ما أخاف منه وما أحبه ما أستأنه له وما أستوحش منه أعثر عليها كاملًا مكتملًا.
علمتني صحبتي للكتب أمور كثيرة أجملها أن تناول كتاب كل ساعتين أجمل من النظر إلى ما يبهجك من مسرات الحياة بكثير، وألذ من كل الأطعمة والمشروبات، وأبهى من كل مناظر الجمال والكمال.
وكلما زاد نهمي بالقراءة شعرت بالحاجة إلى نقل هذه العدوى لغيري من الأشخاص أود لو أن الجميع مصابون بنهم القراءة وحب المعرفة،
أتمنى لو أنني أملك أصدقاء كتب يقرأون لي وأقرأ لهم. وسأكون أنانية لو كنت أملك هذه الفئة من الأصدقاء سأمدهم بكتب وأجعلهم يمدونني بكتب أكثر لا حصر لها.
الكتاب يصنع الأصدقا
كما قال هنري ميلر:”الكتاب ليس فقط صديق، بل يصنع الأصدقا.
وعندما تمتلك كتابًا ذا عقلٍ وروح تغتني، ولكن عندما تعطيه لشخص آخر تغتني ثلاثة أضعاف”
وديبارو أيضا قال:”الكتاب صدق لا يخون” حين تتناول كتابا لتقرأه ثم كلما قلبت الصفحات شعرت بمتعة أكبر ولذة أعمق يا للحب حين أتلمس صفحاته،
يا للسمو حين أرتقي بنفسي متناولةً المزيد والمزيد.
يا للدهشة حين أستمر في البحث فأكتشف وأستخلص الكثير من القيم الفوائد والمعارف والحكم.
قال تشارلز بوكوفسكي:”كنت أحمل مصباحًا يدويًا صغيرًا إلى سريري، وأندس تحت الشراشف،
وكان الجو خانقًا وحارًا هناك، لكنه كان يزيد من ألق كل صفحة جديدة أقلبها، كما لو أنني أتعاطى المخدرات”
كل قارئٍ يحصي عددًا لا بأس به من الكتب المفضلة والكتاب الذين ينصبونهم قدوات،
وكنت دائمة السؤال لنفسي ترى ماهو كتابي المفضل ومن هو قدوتي بين كل الكتاب والمؤلفين؟
ويا للسخرية!!
أنا أقرأ منذُ قرأت ولا أجد الاجابة على هذا السؤال المؤرق، لكنني أعاود التفكير فأبحث وأستذكر لعلي أجد ضالتي أو على الأقل ما يسد ثغرة هذا السوال المحرج،
ثم أعود لأستسلم ولا ألبث حتى أقول لذاتي أنه ليس بمقدوري الجزم وربما لن أجد هذا الكتاب ولا ذلك الكاتب يا للخيبة!
الأمر شاق ومنهك كنت كمن يبحث عن إبرة في كومة قش أو أشد تعجيزًا من هذا كله، والحال يؤول دائما إلى غير نتيجة واضحة.
وفي الوقت ذاته أقول أن القراءة ماهي سوى بحثٌ عن الذات وربما كانت ذاتي في كتب عدة لم اقرأوها بعد
وفي كتابات لكتاب مختلفين وأكثر عددًا من كل القراء الذين أعرفهم،
لذا لن أتوقف وسأكون، دائمة البحث عن ذاتي، وحيثما أجدها سأجيب عن سؤالي.
وفي ظني أن ذلك سيستغرق الكثير من الوقت والجهد، الكثير من الانهاك اللذيذ.
كتب تجمد العقل
ذلك ليس مهما، المهم هو يا عزيزي القارئ أنه يجب أن تختار ما تقرأه، ومهما كان خيارك هو في النهاية سيثمر عليك ذا يوم.
وتذكر أن بعض الكتب تجمد العقل وبعضها تثيره وتنيره، وبعضها لا تشعر بأنك تقرأ بل يكون الأمر أشبه بالتحديق في الفراغ، وبعضها ملهم ومحفز،
وهناك كتب لا يمكنك التوقف عن التساؤولات والبحث والتدقيق تستفز عواطفك وجوارحك،
وهناك كتب لكتاب مختلفين مهما قرأت لهم لن تشبع ولن تمل ولن تستطيع منع نفسك عن تناول المزيد من كتبهم،
وهناك كتاب لن يتوقف قلمك عن الكتابة ما دمت تقرأ لهم وهناك كتاب لا يمكن أن تحبس دموعك عند قراءة أدنى وأقل كتاباتهم.
تبقى أن أقول وأكرر أنني أحب القراءة حبًا جما. وأكره أن أسمع ما يقوله البعض عن أن القراءة هي مضيعة للوقت.
حسنا هو مضيعة وأيما مضيعة وأكاد أزهق نفسي بالتحديق في الكتب، لولا أن الكثير من القراءة يعني مزيدًا من السلام الراحة، التجاهل والتغافل.
عزيزي الذي لا تستطيع أن تتناول كتاب لمدة دقائق أرجوك (نقطنا) بسكوتك فأن لا أكترث،
لككني أكاد أتقيأ بسبب فكرك المغيب تمامًا عن تعنيه القراءة، فكرك الذي رانت عليه الجهالة، فكرك الذي لا يتقبل التغيير،
الاختلاف، التنوع، والكثير من الأشياء والأشياء.
ترهق عقلك في التفاهات والحماقات ولا تريد أن تملأه بالعلوم والمعارف!!
قد تبدو لك هذه الفئة من الناس غريبي الأطوار هم قلة قليلة، لكنهم أشد سوءً على تفكيرك وعقليتك، قد يسببون لك الجمود والرتابة،
لذا ابحر في عالمك الخاص وبين كتبك المفضلة وكُتابك الأعزاء ودعهم في غياهيب جهلهم يعمهون.
Be the first to comment on "في رحاب المكتبة"