التربية الدينية و الشباب مقال للشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله ، تحدث فيه عن دور شبابنا وأهمية حفظ الدين ، ورعاية #الإيمان في نفوسهم وربطهم بأمتهم مستشهداً بقصص من سيرة السلف مثل أسامة بن زيد ومحمد بن القاسم وبعض الوقائع من #التاريخ
التربية الدينية والشباب للشيخ محمد الخضر حسين
التربية الدينية والشباب(1) للشيخ محمد الخضر حسين
سادتي: نقلب النظر في الأيام الخالية، فنقف على وقائع تحدث عنها التاريخ بإعجاب، ذلك أنها كانت مظهر قوة الفكر، ومتانة العزم.
ومن هذه الوقائع ما رفع أمة من خمول إلى نباهة، أو نقلها من استعباد إلى سيادة،
فإذا تجاوزنا الوقائع إلى الأيدي التي هزتها وأطلقتها من عقالها وجدناها أيدي الشباب الذين يشعرون فيعزمون، ويبصرون الخطر فلا يحجمون.
فذلك أبو مسلم الخراساني نهض بالدعوة العباسية، وزلزل عرش الدولة الأموية، وهو ابن إحدى وعشرين سنة،
وتولَّى محمد بن القاسم الثقفي قيادة جيش قاتل قبائل ثائرة، فأطفأ ثورتها وهو ابن سبع عشرة سنة،
وقال فيه الشاعر:
إن السماحة والمروءة والندى … لمحمد بن القاسم بن محمد
قاد الجيوش لسبع عشرة حجة … يا قرب ذلك سؤدداً من مولد
وقد نبَّه رسول الله ” على أن الولايات منوطة بالكفاية، وأن الكفاية للعظائم قد تتحقق في الشباب،
فولَّى أسامة بن زيد جيشاً تخفق رايته على أمثال أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب،
ولم يتجاوز أسامة يومئذٍ الثامنة عشرة من عمره.
نفوس الشباب
ففي الشباب نفوس قريبة من الخير، وهمم لا ترضى من المجد إلا باللباب؛
فإذا توجه الشباب إلى غايات خطيرة، وساروا في طرق قويمة فما للأمة إلاَّ أن ترفع رأسَها عِزّة،
وما لخصومها إلاَّ أن يتقوا بأسها، ويجنحوا لسلمها.
ومن أين لنا أن يتوجه شبابنا إلى السيادة لا يبغي بها بدلاً ؟
وإذا توجهوا إليها فمن أين لنا أن يسيروا إليها في أقوم الطرق وآمنها؟
وذلك ما يجب علينا أن نفكر فيه بجد، ونبذل في سبيله كل جهد.
نعم؛ ذهبنا بالفكر في كل مذهب، ورجعنا إلى التاريخ والتجارب، فلم ندع بعيداً إلاَّ دَنَوْنَا منه، ولا شافياً إلاَّ كشفنا غطاءه،
فلم نر لشبابنا سيرة تجعلهم خير شباب أُخْرِجَ للناس إلاَّ أن نراهم يستنيرون بهدى الله، ويتنافسون في التجمل بآداب شريعته الغراء:
أَدَبُ الفتى في أَنْ يُرى مُتمسكاً … بِأوامرٍ مِنْ رَبِّه ونَوَاهي
إن الدين ليهدي للتي هي أقوم؛ يطبع النفوس على الأخلاق السمحة الكريمة، ويضع أمامها موازين تستبين به الرشد من الغي، ويريها كيف تحيا الحياة الزاهرة المطمئنة.
فإذا تلقن شبابنا حقائق الدين نَقِيَّةً من كل بدعة، وابتهجت نفوسهم بحكمته ابتهاج البلد الطيب بالغيث النافع _
فقد أعددنا للخوض في غمار الحياة رجالاً لا يكتفون بالخطب تلقى على المنابر، ولا بالمقالات تحرر على المكاتب، بل يعلمون فيقولون، ويقولون فيفعلون.
وأراكَ تفعلُ ما تَقولُ، وبعضهم … مَذْقُ اللسان يَقولُ ما لا يفعل
إِنَّ الإيمان ليملأ القلوب إجلالاً للواحد الخلاّق،
ومَنْ أجلَّ مقام خالقه صغر في عينه كل جَبَّار مخلوق،
ومن الأمراض التي تأكل من كرامة الأمم أكلاً ذريعاً، وترمي بالمهانة في أوطانها أنْ تُرْهِبَ سطوة المخلوق رهبة تمنعها من أن تقول في صدق، أو تعمل في حكمة.
الشباب والإيمان
فحقيق بشبابنا أنْ يكون الإيمان الصادق رائدهم؛ فإنَّا لا نرى من ضعيف الإيمان عملاً إلاَّ أنْ يكون مخلوطاً برياء؛
ولا نرى له من سيرة إلاَّ أنْ تنحرف إلى الشمال مرة، وتتأخر إلى الخلف مرة أخرى.
وإذا كان في الأنابيبِ حيفٌ … وقعَ الطيشُ في صدورِ الصعادِ
وإذا قيل: إن الذمم تباع وتشترى فإن ذمم المؤمنين الصادقين لا يملك ثمنها إلا رب العالمين.
كنَّا رأينا من بعض شبابنا انحرافاً عن الرشد، فخشينا أنْ تسري عدوى هذا الانحراف إلى سائر الشباب،
فتصبح مصر _ وهي زعيمة الأقطار الشرقية _ مبعث الجحود والإباحية،
ولكنَّا لم نلبث أن رأينا شباباً في المدارس العالية يحرصون على تلقي دروس علوم الدين، ويتبينون أحكامه وآدابه، ويتصلون بالجمعيات الإسلامية،
بل أقول إن للشباب الفضل في إنشاء هذه الجمعيات، أو المؤازرة على نهوضها.
والواقع أنَّ ما قام به بعض العاملين من دعوة الشباب إلى الدين قد أتى بثمر على قدر الجهاد الذي بذل في هذا السبيل.
فمتى اتسعت دائرة هذا الجهاد، وكثر العاملون في صفوفه من رجال العلم، ووجه أولو الشأن عنايتهم للتربية الدينية أكثر مما وجهوا،
متى تحقق هذا الأمل _ولا أراه إلاَّ متحققا_ أدركنا كل ما نبتغي من شرف وقوة، وفزنا بحياة آمنة المسالك، محمودة العواقب، ذلك وعد الله، والله لا يخلف الميعاد.
نهاية مقال التربية الدينية
#المقالات_المختارة
#محمد_الخضر_حسين
#مقالات_في_الشباب
الهامش
__________
(1) مجلة الهداية الإسلامية الجزء الحادي عشر من المجلد التاسع ص70_72.