ماذا تريد أستراليا وجهة نظر مهاجر عربي عما يجب على المهاجر تجاه البلاد التي اختارها وجهةً لهجرته ، الكاتب المهاجر د. هيثم أبو عيد
هاجس المهاجرين
لطالما شكلّت الهجرة هاجساً لدى الشعوب التي تركت بلادها وموطنها لعدّة عوامل وأسباب لا يختلف إثنان عليها ، تشمل الوضع الإقتصادي والسياسي والهجرة القسرية كالحروب ومفاعيلها ،
قد يكون الطموح أحد أهم الأسباب ، وهذا ما دفع بأجدادنا العرب على الهجرة الى أوستراليا في بدايات القرن الماضي ،
قد لا تختلف ثقافتنا الشرقية كثيراً عن بقية الثقافات العالمية التي إنتشرت في أوروبا وأميركا وأوستراليا محاولة قدر الإمكان التقوقع ضمن تجمعّات سكانية
هدفها الحفاظ على الموروث الديني والثقافي والإجتماعي والخوف على أولادهم من الإنجراف في ثقافات الدول المضيفة ،
يومها لم تكن العولمة حاضرة ولكن إرهاصاتها الفكرية والثقافية كانت موجودة عبر الترويج الإعلامي والپروپاغاندا السياسية المتمثلة بقطبي الصراع في العالم ،
ولكن وجود مجمعات مثل الحي اللاتيني والحي الصيني والأحياء العربية وحتى بعض دول أوروبا الشرقية أنتج هوّة وفجوة بين تلاقي الحضارات ،
ونحن هنا عندما نتكلّم عن تلاقي الحضارات فهذا لا يعني الذوبان والإندماج الثقافي كما يحاول البعض تفسيره
إنَّما هو تبادل الثقافات والعلوم والخبرات والتعريف بالعادات والتقاليد على قاعدة الإحترام المتبادل دون المسّ بالثوابت لدى الأطراف لكي لا يحدث خلل في المجتمع ،
إنّ هذا الخلل يؤدي الى تصادم الحضارات وبالتالي الى إعادة إنتاج نظام عالمي جديد كما أسهب في ذلك صموئيل هنتغتون في كتابه صدام الحضارات
والذي إعتبر أن الصدام بين الشعوب هو صدام ثقافي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة .
المشكلة عند العرب بالذات تكمن في نظرية المؤامرة ، وأنّ أوروبا والغرب يخططون لمؤامرة تعمل على إلغاء العرب وشطبهم من التاريخ
ويستدلون بشواهد تاريخيّة كحروب الفرنجة على الشرق وحروب أميركا على منطقتنا ، متناسين أنّ الشعوب المتنورّة والواعية لا تتأثر بالمؤامرات ولا بسياسة الإختزال .
هل شُطِب العرب من تاريخهم وجذورهم إبّان سيطرة المغول والفرنجة والرومان لبلادهم ،
هل شُطبوا سكان أميركا اللاتينية من موطنهم بعد إحتلال دام قرون من قبل الإسبان والبرتغاليين .
الخوف يكمن هو أن تبقى متقوقعاً وأن لا تقوم بنشر ثقافتك ومبادئك وحضارتك ،
الخوف هو أن لا تكون سفيراً لحضارتك في بلاد الإغتراب ، وأن تكون رسولاً داعياً الى قيمك التاريخية والحضارية التي تعود لمئات وآلاف السنين ،
ماذا تريد منّا أوستراليا ،
ليس فقط نحن ماذا نريد منها ؟
فهذا البلد المتعدد الأعراق والثقافات والديانات سخرّ كل موارده المالية والإقتصادية لخدمة المهاجرين الجدد ، من مدارس ومعاهد وجامعات ومراكز بحوث علمية ،
كما وأنّ قوانينه السياسية سمحت بالدخول في الأحزاب السياسية دون ملاحقات وإستجوابات ،
حتى حرّية تشكيل جمعية أو تكتّل سياسي محفوظة ،
أوستراليا تريد منّا أن نتفاعل وأن نكون إيجابيين في الحياة العامة وأن نكون بناة في هذا البلد كما فعل أجدادنا عندما هاجروا إليها ،
أن نكون متدينيّن بدون تعصّب ، وأن يكون لدينا حق الإختلاف دون قتال ،
أن نعترض بدون فوضى ،الحرية المعطاة لك والتي تنعم بها هي حق تعليم أطفالك ثقافتهم ومعتقداتهم ولغتهم وهذا دليل أنّه لا يريد منك أحد أن تنسلخ عن تاريخك
ففي نهاية الأمر لم تعد توجد في العالم فتوحات بحدّ السيف ولا محاكم تفتيش
لا يوجد خوف من نهاية التاريخ والإنسان كما بشّر به عالم الإجتماع الاميركي فوكوياما وأعتبر أن البشرية كلها ستكون ضمن عولمة ليبرالية ديموقراطية ،
طبعاً الديموقراطية التي يراها هو وصقور الساسة الأميركية ففوكوياما يناقض نفسه في كتابه عندما يقول أنّ نهاية التاريخ لا تعني توقّف الأحداث أو العالم عن الوجود .
ها هي ماليزيا المثال الحي والشاهد على أنّ النهضة الإقتصادية والتكنولوجية لم تجرّد الماليزيين من ثقافتهم ولا من دينهم وأخلاقهم ؟ بالطبع لا ،
بالعكس لقد جعلتهم في مصاف الدول المتطورة ولاعب إقتصادي وإستثماري مهم في العالم ،
وليس غريباً عندما نقرأ أنّ الكثير من المشاريع في أوستراليا خاصة في مجال توليد الطاقة الكهربائية والإلكترونية بإسم شركات ماليزية ويابانية ، حتى في مجال بناء الأبنية العملاقة والجسور .
هذا ما تريده منّا أوستراليا فهل نحن على قدر التحدّي أم سننقل مشاكلنا الشرق أوسطية الى أحيائنا وبيوتنا ومعابدنا !