لم نرضى بالدنية في لساننا ؟! للكاتبة الأستاذة نورة بنت عبدالرحمن الكثير في موضوع الانتصار للغة العربية
لم نرضى بالدنية في لساننا ؟!
بقلم : نورة بنت عبدالرحمن الكثير
لقد أينَعت ثِمارُ عَولمَة الفِكر والثقافة، وحان قِطافها؛ لِيَلتهِمَها أصحابُها لقمةً سهلة سائغة،
فاستطاعَت النَّيلَ من لغتنا ومزَّقتْها شرَّ مُمزَّق، ولايزال هؤلاء يتربَّصون بها الدوائر،
ولن يهنأ لهم بال ويقرَّ لهم قرار إلا باجتِثاثها من أصولها، واقتلاعها من جذورها،
وقد يقول قائل: إنَّ هذا الكلام مُبالَغ فيه، وكلام لا يُرجى خيره ولا يؤمَن شرُّه؛
ولكن بمُجرَّدِ أن نُلقي مسامعنا لإحدى القنوات المرئية أو المسموعة سيَصِلُ إلينا ما لا يُحصى من المفردات الأعجمية التي يُلقيها إعلاميُّونا العرب دون أن يُلقوا بالاً بأنها لا صلة لها ولا رابطة بلغتِنا الراقية!
وعند الدخول لأحد مواقع التواصل الاجتماعي ستُصدَم بالكمِّ الهائل من المصطلحات والمفردات الأعجمية التي احتَوتْها مواضيع منشورة، أو عبارات غرَّد بها أصحابها دون أن يُكلِّف أحدهم نفسه بالبحث عن معناها أو مجرد محاولة تعريبها،
وأنكى من ذلك وأعظم أن غالبيتهم – وفَّقهم الله – من حمَلة الشهادات والدرجات العِلمية العُليا!
هذا، وإن اجتهدتَ بتصويب وتعريب ما استجدَّ من الكلمات الأعجمية المُتداوَلة في تلك المواقع،
فإنك لن تسلَم من تهكُّم بعضهم وانزِعاج البعض الآخَر، وقذفكَ بنقدٍ لاذِعٍ أو نعتك بالرجعيَّة والتخلُّف!
وللأسف فقد أصبحَت مُنظَّمةُ الأمم المتحدة تُفكِّر في إلغاء اللغة العربية من هيئاتها المُختلفة، والسبب – وببساطة – عدم تحدُّث سُفراء الدول العربية في لقاءات المنظَّمة باللغة العربية!
لقد ناضلَت الوفودُ العربية إبَّان العقود الأربعة الماضية لتُساهِم بفعالية لإدخال اللغة العربية كلغة رسمية في منظمة الأمم المتَّحدة للتربية والعلوم الثقافية (اليونسكو)،
ولكن تلك المُحاولات والجهود الجبارة تبدَّدت خلال العقد الحالي، فنُخَبُ الأمة التي أُوكلت لهم مهمَّة تَمثيلها والدفاع عن مصالحها في تلك الهيئات أساؤوا لها وللغتها،
وأحالوا نضال وجهود أجيال كاملة إلى لا شيء! كالتي نقَضتْ غَزلَها من بعد قوة أنكاثًا!
ولو تأمَّلنا واقع التعليم في مجتمعاتنا اليوم وتنامي أعداد المدارس الدولية لجَميع المراحل، لبُهتنا مما آلَت إليه الأوضاع،
فقد تبدَّل الحال إلى حال، واللسان إلى لسان!
وقد علَّق بطرافة أحد أساتذة اللغة العربية على المَدارس الدولية بقوله:
إنها تتقاضى لقاء قطعِ اللسان العربي آلافَ الدولارات للفصل الدراسي الواحد!
فأضحى الاهتمام باللغة الإنجليزية واضحًا بيّنًا على حساب اللغة الأم، فنشأ النشء مُنطلِقَ اللسان بلغة غير لغته، إلى أن طالت ثقافة تلك اللغة جميع مظاهرِ السلوك والحياة الاجتماعية،
فامتزجت معها الهُويَّة وتآكَلت ملامِحُها الأساسية، وتلاشت أصالتها،
وباتَ التعامُل باللغة الفصحى محصورًا لا يتعدَّى نِطاق الكتب،
واكتفَت مجتمعاتنا باستخدامها في الجوانب الرسمية فقط، فتباعَدت المسافات بين لغة الخطاب ولغة الكِتاب،
وأصبحنا نتكلم بلغة ونقرأ ونكتب بأخرى.
وقد تساءل ناشط يعمل على دعم المحتوى العربي في مجال التقنيات والشبكات الاجتماعية:
“كيف يتسنى لنا العمل على دعم المحتوى العربي وجميع الاجتماعات والملتقيات التقنية تدار باللغة الإنجليزية؟ إنه أمر في منتهى التناقض!”.
لقد غادر الرئيس الفرنسي جاك شيراك غاضبًا هو ووزراؤه اجتماع القمة الأوربية.. لماذا يا ترى؟
لأنه سَمِعَ مواطنه الفرنسي يُلقي كلمته أمام أعضاء القمَّة بالإنجليزية؛
ممَّا حدا بالرئيس مغادرة المكان رفضًا للاستماع إلى ذلك الفرنسي المتحدِّث بالإنجليزية!
إنه الوعي بأن الأمم تَرتقي وتتقدم باهتمامها واعتزازها بلغتها.
ولغتنا ليست كسائر اللغات؛ فتعلُّمها من الدين، وحمايتها والذود عنها واجب،
وقد رُوي في بعض الآثار في كلمة جامعة مانعة: “تعلَّموا اللغة العربية؛
فإنَّها من دينكم”، ويَكفينا شرفًا أننا نتكلم بلغة سيد ولد آدم، سيد الأولين والآخِرين،
لغة أهل الفضل والإحسان، اللغة التي أعطَت فأبقت، وغذت فامتدت، وجادت فسادت.
نورة بنت عبدالرحمن الكثير
https://www.alukah.net/literature_language/0/59658/#ixzz5bMNorFB1