المسرحية الرقمية !!! ، مقال للكاتب الدكتور ميثاق بيات الضيفي عن الإرهاب الرقمي الذي يعد أحدى الوسائل الفعالة لتحقيق الأهداف السياسية في الساحة الدولية
المسرحية الرقمية !!!
بقلم/ الدكتور ميثاق بيات الضيفي
يعد الإرهاب الرقمي أحدى الوسائل الفعالة لتحقيق الأهداف السياسية في الساحة الدولية، فتتعامل البشرية مع تأثير معقد “على ومع” العدو وبمختلف أدوات المعلومات في وقت واحد مما يجعل من الممكن وصفه بأنه حرب مختلطة، ونظرًا لأن المجتمع الحديث غارق أكثر فأكثر في فضاء المعلومات فمن الضروري بشكل متزايد مواجهة مظاهر مختلفة لأنواع جديدة من الأعمال الإرهابية المرتكبة في الفضاء الإلكتروني، ونتيجة للعولمة واختراق التقنيات الرقمية لمجمل الحياة اليومية للناس مما أدى لظهور فضاء اجتماعي جديد سمي بالواقع الافتراضي. وان المحاكاة الافتراضية في العلم الحديث هي بديل للواقع بطريقة أوجدت ما يسمى بالفضاء الإلكتروني الذي غيّر فهم الواقع الحياتي، وعبره تم تقسيم الواقع في العقل البشري إلى موضوعي وافتراضي وقد أدى التوزيع الواسع لتقنيات المعلومات إلى خلق مشاكل وتهديدات جديدة استخدمت بنشاط في الآونة الأخيرة من قبل أنواع مختلفة من المحتالين الذين كانوا مهتمين حصريًا بالربح المالي غير إن إمكانيات الفضاء الافتراضي تدفقت في أيدي لاعبين أكثر خطورة يسعون إلى تحقيق أهداف سياسية في المقام الأول ولذا يمكن وضع الإرهاب الرقمي الحديث من حيث حجمه وقدراته ونتائجه الفنية على قدم المساواة مع الإرهاب التقليدي والجريمة المنظمة. وعند الحديث عنه ينبغي أن يُفهم أنه ظاهرة متعددة الأوجه يتم التعبير عنه في هجوم ذي دوافع سياسية على الفضاء الافتراضي مما يخلق خطرًا على حياة الإنسان أو صحته أو بداية لعواقب وخيمة أخرى وغالبًا ما ترتبط هذه الأعمال بانتهاك الأمن العام أو تخويف السكان وتقويض البنية التحتية وتلجأ حتى إلى بعض الاستفزازات العسكرية.
من سمات الإرهاب الرقمي المميزة هي تأثيره المباشر على المجتمع وتخويفه وشل إرادة أفراده ونشر الذعر ومشاعر عدم الأمان عبر تكرار المعلومات حول تهديدات العنف والحفاظ على حالة من الخوف المستمر لأجل تحقيق أهداف سياسية أو أهداف أخرى والإكراه على أعمال معينة وجذب الانتباه إلى المنظمات الإرهابية، وان الهدف النهائي للهجوم الإرهابي الرقمي ليس فقط إظهار قدراته الفنية وإنما محاولة التأثير على السلطة السياسية في البلاد بمساعدتهم، وعند مقارنته بالجرائم الافتراضية الأخرى نجد أن المعلومات التي يستخدمها الإرهابيين تستخدم نفس الوسائل التقنية المتوافقة مع عمل قراصنة الإنترنت غير إن لديه أهداف مميزة وهذه هي الميزة الرئيسة له، وبحكم طبيعة تأثيره على المجتمع فإنه عالمي بطبيعته إذ أنه يغطي جميع مجالات المجتمع تقريبًا ويؤدي أحيانًا دورًا أكبر من الواقع الحقيقي فلذا يتلقى مروحة هائلة من الفرص والتهديد الناشئ بسببه كبير وقد يكون لا رجعة فيه.
وإن عمل الأنظمة اللوجستية الحديثة وسبل عيش المدن الكبيرة والبنية التحتية والاتصالات أمر لا يمكن تصوره من دون الإنترنيت فمن دونه فإن العالم المتحضر الحديث ببساطة لا يمكن تصوره في الحياة اليومية وان إدخال التقنيات الرقمية بنشاط انتج للعالم الحديث مشاكل جديدة، فبينما يسعى قراصنة الإنترنت بالفعل إلى اعتراض عملية التحكم عبر استخدام الأسلحة الصغيرة والمتفجرات لتحقيق أهدافهم، نجد إن إرهابيو المجال الرقمي يستخدموا تقنيات المعلومات الحديثة وأنظمة الشبكات والبرامج الخاصة المصممة للدخول غير المصرح به إلى أنظمة الكمبيوترات وتنظيم هجمات عن بعد على أنظمة المعلومات لتحقيق أهدافهم.
عند الحديث عن تهديدات الإرهاب الرقمي فمن الضروري أن نفهم أن الإمكانات القوية للتكنولوجيات الرقمية لا تستخدم بنشاط من قبل الجماعات المتطرفة المنتمية إلى قائمة المنظمات الإرهابية الدولية المحظورة فحسب بل أيضا من قِبل خبراء الحكومات الشرعية ولا يفوتنا بيان إن إمكانية الاستيلاء على أنظمة التحكم في الأقمار الصناعية العسكرية واستهداف وإطلاق الصواريخ أو مجمعات الدفاع الجوي، وعند الحديث عن الهجمات الإعلامية على المنشآت المدنية أو الحكومية أو العسكرية فمن الضروري أن نفهم أنه تحت ستار الإرهاب الرقمي فمنطقيا يبدو أنه لا يمكن التنبؤ بالأعمال القادمة لكنه من الممكن تحقيق الأهداف التي لا يمكن تصورها ببساطة عن طريق الأساليب القانونية للسياسة والدبلوماسية وقد يكون ذلك للضعف الاقتصادي أو لتخفيف الاستقرار السياسي أو للتحريض على النزاعات داخل الدول ذات السيادة أو لانهيار الاتفاقات الدولية الهامة عن طريق حشو المعلومات المضللة، وهذا التأثير المعقد يوجه على العدو بوسائل مختلفة وهو ما يسمى في العلوم الحديثة بالحرب الهجينة. والتأثير النفسي للإرهاب الرقمي على الحالة المعنوية والنفسية لا يقل خطورة عن جميع المنظمات الإرهابية الحديثة التي لديها عشرات ومئات من المواقع الإلكترونية وصفحات الإنترنت وحسابات بوسائل التواصل الاجتماعي والتي تعد ذات طبيعة تهديدية، ويتمثل تكتيك الإرهابيين الرقميين في التأكد من أن لهذه الجريمة عواقب وخيمة ومعروفة على نطاق واسع وكبير فينتج إرهاب المعلومات جوًا من تهديد تكرار الفعل دون تحديد كائن محدد وإن الفرصة لإحداث تأثير أخلاقي ونفسي جاد على المجتمع تدفع الإرهابيين إلى استخدام قدرات الرقمية بشكل متزايد أكثر من الأساليب التقليدية للتعامل مع استخدام الأسلحة الفتاكة.
وان التأثير النفسي على الأشخاص من خلال الهجمات الضخمة للبرامج الضارة على أجهزة الكمبيوتر الشخصية للمستخدمين ليس أقل فعالية من مجمل العمليات الإرهابية، ومن حيث أهدافه لا يختلف الإرهاب الرقمي عن المظاهر الكلاسيكية للإرهاب لأن مهمته الرئيسة هي غرس الخوف والفوضى بين السكان عبر شعور بعدم الأمان في كل لحظة من حياتهم وإضعاف سلطة الدولة التي لا تستطيع حماية مواطنيها في الوقت المناسب من التهديد. وهناك طرق مختلفة لتحقيق أهداف الإرهابيين عندما يتم نقل النشاط الإجرامي من العالم الواقعي إلى الواقع الافتراضي ويتم تمويله أكثر وأكثر بمساعدة العملات المشفرة واتجاه آخر للإرهاب الرقمي هو توفير الآثار النفسية الفسيولوجية على بعض الفئات الاجتماعية، ومما لا يقل أهمية عن اتجاه عمل الإرهابيين عبر الإنترنت هو توفير معلومات استفزازية بهدف تعطيل توازن القوى في الساحة الدولية وإذكاء النزاعات بين الأعراق، وإن مثل تلك الأعمال لا تقوض المكانة الدولية للدول فحسب بل تعيق بشكل كبير إقامة علاقات دبلوماسية مستقرة على الساحة الدولية وسرقة معلومات خاطئة عالية الجودة فيتمكن الإرهابيين الرقميين من تعطيل الاتفاقيات الدولية تمامًا فأصبحت الانطباعات السياسية يتم تعقبها أكثر فأكثر وأصبح الفضاء الرقمي ساحة معركة مهمة للتعاطف السياسي للمواطنين داخل البلاد ، وفي الساحة الدولية أصبحت الشبكة العالمية وسيلة فعالة للتأثير على العمليات الجيوسياسية كما أصبحت المعلومات الرقمية سلاحًا قويًا للمتطرفين السياسيين الذين يعملون عن كثب تنسيقيا مع الخدمات الخاصة للبلدان الأجنبية.
ومن المجالات الأخرى التي يظهر فيها الإرهاب الرقمي نفسه بنشاط هو تنظيم ونشر معلومات جذرية وتجنيد أعضاء جدد لكل المنظمات الإرهابية المعروفة التي لديها مواقعها الخاصة على شبكة الإنترنت وتحاول بنشاط اختراق الشبكات الاجتماعية، ويملي العالم الحديث قواعد وقوانين جديدة مع ظهور التكنولوجيا الرقمية والتكامل الوثيق بين الإنسانية ونظم المعلومات والاتصالات التي أصبحت جزءًا من الحياة البشرية اليومية فظهرت أنواع جديدة من المخاطر والتهديدات نظرًا للقدرات التقنية الهائلة التي يمتلكها الإرهاب الرقمي، وأصبحت هذه الظاهرة الجديدة واحدة من أهم التهديدات العالمية وفي ظروف تفاقم العلاقات الدولية أصبحت الأسلحة الرقمية وسيلة فعالة لمواجهة النزاعات العالمية فلذا يعتمد الأمن القومي للنظام العالمي بأسره على من يمكنه إتقان هذه التقنيات وتطويرها وتوظيفها لتحقيق مأربه بسرعة أكبر وإنشاء نظام قوي للحماية الدفاعية والهجومية من وتجاه مسرحية الإرهاب الرقمي.
الدكتور ميثاق بيات الضيفي