بقلم : محمود محمد عطية
كانت أول صورة أشاهدها فى حياتي…ثبتت على جدار منزلنا مذ كنت طفلا صغيرا ورافقتنا وارتحلت معنا دائما…أنظر لها فى كل يوم وساعة , فقط أنظر…ولا أدري كيف عرفت أنها صورة أبي …!!
من تابع كتاباتى ومقالاتي على مدى الأعوام السابقة , سيجدني كثير الكتابة عن أمي رحمها الله ..فقد تناولت سيرتها وذكرياتي معها فى أكثر من حين ومناسبة ..!!
لكن تكاد تكون هذه هي المرة الوحيدة التي أكتب فيها عن أبي…والسبب وراء هذا هو أنه غادرنا إلى جوار ربه مبكرا عندما كنت بالرابعة من عمري…فأنا لا أملك معه سوى ذكرى لخيالات وأطياف لا تكتمل… أذكر منها طفل صغير يهرول هاربا من أمواج البحر وهناك من يمسكه ويعيده فيها..؟؟!!
أتذكر أني سألت أمي عن هذا الموقف , فتعجبت كثيرا وقالت إنه والدك يا محمود…كيف لك أن تتذكره بهذا العمر ؟؟
إنه هو من كان يلاعبك ويقذفك على أطراف الموج فيفرح ويسعد عندما يراك تهرب فزعا خائفا …!!
أعود إلى الصورة … لقد إكتفيت بصورة أبي هذه وكانت كل ما جمعني به على مدى عمري كله…إلا أن كل شيئ إختلف وتغير عندما أصبحت أبا وكبرت طفلتاي… للأسف لقد تحولت إلى أب من جليد .. !!؟
أحتضتن أطفالي وأتجمد..لا أحس بأي مشاعر…ربما بالغت قليلا , لكنه شعور حقيقي يؤلمني !!
أنا الآن بنفس عمر أبي…ورغم هذا فإني أحتاجه أكثر من أي وقت مضى…علما أنه لم يشغلني كثيرا فيما سبق !!
قد يتسائل أحدكم عن مبررات وأسباب كتاباتي هذه أو مناسبتها حتى ؟؟
أجيبه أني أستجدي عاطفتى وأشجاني لتعيدني إلى إنسانيتي وأرتقى بآدميتي…أنا أسد مداخل الشيطان إلى نفسي بحديثي هذا وأحصن أخلاقى .. أصدق مع نفسي وأقرب من ذاتي..!!!
أبي…لا زال هناك مجال ومتسع , زورني فى أحلامي لأعرفك أكثر , هيا ..إخرج من صورتك , غادرها…أعدني إليك طفلا…إقذفنى على أطراف الموج مجددا….عله يذوب الجليد !!!